في الفسيفساء السياسية اللبنانية الكثير من الظواهر التي تحتاج إلى مجهر متناهي الدقة لاكتشافها. لكن النانوسكوب الإيراني، الذي حمله رئيس إيران إلى لبنان هدية، منذ أيام، لن يقوى رغم دقته على قياسها، وخاصة أن الهدية تحولت من آلة واحدة إلى آلتين تفادياً للإحراج، لتستقر واحدة في أروقة قصر بعبدا، والثانية في مكانها الطبيعي في الجامعة اللبنانية
بسام القنطار
نانوسكوبان لا واحد. هذه هي محصلة التعداد النهائي لهدايا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال زيارته للبنان. النانوسكوب الأول هو الذي عرض على الشاشات أثناء تقديمه من نجاد إلى الرئيس سليمان، لكنه لا يزال مستقراً في القصر الجمهوري في بعبدا، وليست معلومة الجهة التي ستقرر رئاسة الجمهورية إحالته عليها. أما الثاني فوُضع في مختبر المعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا في الحدث، بعد أن سبق للفريق الإيراني الذي عمل على الإعداد للزيارة أن وعد الجامعة بتقديمه إليها.
للنانوسكوبين اللذين تبلغ قيمتهما ما يزيد على 200 ألف دولار أميركي، قصة. والراوي هو د. هشام الموسوي، منسّق مكتب التعاون التقني التابع لرئاسة الجمهورية الإيرانية في كل من لبنان وسوريا، الذي أعدّ الجانب العلمي والتقني من زيارة نجاد، فقاد مع فريق قدم خصوصاً من إيران، قبل الزيارة، البحث عن المؤسسة الأفضل في لبنان للاستفادة من النانوسكوب ـــــ الهدية.
ينفي الموسوي، وهو نجل القيادي في حزب الله ومؤسس حركة أمل الإسلامية النائب حسين الموسوي، بنحو قاطع أي خلفية سياسية لاختيار الجامعة اللبنانية المكان المناسب للنانوسكوب. ويقول طبيب الأذن المختص بجراحة القوقعة، إن «غالبية أعضاء المجلس الوطني للبحوث العلمية والأمين العام للمجلس د. معين حمزة أجمعوا على أن النانوسكوب يمكن الاستفادة منه جزئياً في المؤسسة اللبنانية للطاقة الذرية، التابعة للمجلس، فيما فئة واسعة من الطلاب والباحثين يمكنهم من خلال وجود النانوسكوب في الجامعة اللبنانية الاستفادة منه في بحوثهم العلمية والمخبرية». ويضيف: «عندما وقع الاختيار على الجامعة اللبنانية ـــــ المعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا، جرت مباحثات مع عميدة المعهد زينب سعد، وتوصلنا إلى أن يكون النانوسكوب من نصيب الجامعة، لكن المفاجأة كانت في عدم التوصل إلى هذه الصيغة مع دوائر القصر الجمهوري، التي أصرّت على أن للرئيس سليمان القرار النهائي بشأن المكان الذي سيستقر فيه النانوسكوب. لذلك طلب مكتب التعاون التقني أن يُتفادى الإحراج، وتوصلنا إلى قرار أن يحمل الرئيس نجاد معه هديتين لا هدية واحدة».
الموسوي أعلن لـ«الأخبار» قرب وصول وفد من الخبراء الإيرانيين الذين سيدربون المختصين في الجامعة اللبنانية على عملية تشغيل النانوسكوب، علماً بأن المسح الذي يجريه هذا الجهاز هو مسح ذري دقيق، من شأنه دراسة البناء المتناهي الصغر لكل ما يوضع تحت مجهره. ويمكن الباحثين في المجالات العلمية المختلفة الاستفادة منه في أبحاثهم. وكشف الموسوي أن مكتب التعاون التقني تلقّى طلبات من جامعات خاصة وفروع من الجامعة اللبنانية لشراء جهاز مماثل واقتنائه.
تطرح هدية النانوسكوب السؤال الذي كان يجب أن يطرح قبل سنوات. أين موقع لبنان من تقنية النانو، أي اعتماد وحدة أدق بكثير من كل ما هو معروف حتى اليوم من وحدات قياس على مستوى العلوم والتقنيات؟
ضوضاء الاحتفالات الشعبية بالرئيس الضيف حجبت الأنظار إلى حد بعيد عن الأنشطة الأخرى التي تضمنتها زيارة نجاد والوفد الكبير المرافق له. وأبرز هذه الأنشطة المعرض التقني الإيراني الذي أقيم في فندق فينيسيا على هامش الزيارة، وثلاث ندوات أقيمت في الجامعة اللبنانية في الحدث، وتضمنت عرضاً لمكانة إيران في النانوتكنولوجي، وبايوتكنولوجي، والكومبوزيت، أي تقنية تركيب
المواد.
في رأي الموسوي، فإن النانوسكوب سيفتح النقاش واسعاً في لبنان في آلية الاستفادة من البحوث المتعلقة بتقنية النانو، وهذا الموضوع كان مدار بحث واسع خلال اللقاءات التي عقدها الوفد الإيراني في الجامعة اللبنانية، وستستكمل من خلال مباحثات يجريها مكتب التعاون التقني الإيراني مع رئيس الجامعة الدكتور زهير شكر. ويلفت الموسوي إلى أن الاقتراح الإيراني يقضي البدء بتدريس اختصاص النانو على مستوى الدراسات العليا والدكتوراه، وإرسال الجانب الإيراني أساتذة وتقنيات علمية إلى الجامعة اللبنانية، على أن يكون فريق المدرسين لبنانياً ـــــ إيرانياً مشتركاً. ومن الممكن أن يُرسَل الطلاب المتفوقون لمتابعة دراساتهم البحثية المتقدمة في إيران، علماً بأن هناك 14 جامعة إيرانية تمنح شهادات دراسات عليا في النانو و7 جامعات تمنح شهادة الدكتوراه. وتحتل إيران المرتبة الـ14 في العالم في مجال صناعة النانو.
في المقابل، يسأل الموسوي عن سبب سحب اتفاقية التعاون، التي كان من المفترض أن يوقّعها الجانب الإيراني مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، عن جدول أعمال زيارة الرئيس نجاد. وتنص مسوّدة هذه الاتفاقية على دعم التعاون في المجالات العلمية والتقنية، وإعداد وتطبيق برامج بحثية مشتركة ومشاريع نقل تقانة وتبادل الخبرات العلمية والتقنية، وإقامة مختبرات ومحطات رائدة مشتركة لنشاطات بحثية وتبادل العلماء والخبراء والباحثين لإجراء البحث المشترك والتدريب وتبادل المعلومات بشأن النشاطات البحثية المشتركة الجارية، والمشاركة في المناسبات العلمية والاستخدام المشترك لتجهيزات البحث العلمي من كلا الطرفين.
بالمقارنة بين لبنان وسوريا، وفي ضوء تجربة الموسوي في العمل لدى المكتب الرئاسي الإيراني في كلا البلدين، فإن الفرق واضح. «في سوريا قرار واحد ومرجعية واحدة، أما في لبنان فهناك 50 رأياً و50 قراراً، وهذا ما يؤخر توثيق التعاون التقني بين البلدين، فيما الأمور مع سوريا قطعت أشواطاً بعيدة».

اقتراح إيراني لتدريس اختصاص النانو على مستوى الدراسات العليا
ومن الأمثلة على ذلك التعاون السوري الإيراني في المجالات الطبية، حيث سجّلت إيران دواء «السانوفيكس» الذي يعالج مرض التصلّب اللويحي، وبات يباع في الصيدليات السورية، فيما لم يسجّل الدواء في لبنان بعد، علماً بأنه ينافس بجدية الدواء المعروف باسم «آفونكس» الذي يصنع في أميركا وسويسرا وألمانيا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى دواء آخر صنعته إيران ويساعد في الحفاظ على مستوى المناعة عند مرضى الإيدز.
تجدر الإشارة إلى أن إيران وجهت دعوات إلى جهات لبنانية رسمية وخاصة عدة لزيارة طهران، للمشاركة في المهرجان الدولي الثالث لتقنية النانو الذي يعقد من 25 لغاية 29 تشرين الأول الحالي. وتشارك في هذا المهرجان شرکات إيرانية وأجنبية ومؤسسات ومعاهد.
ويهدف المركز الخاص بتقنية النانو في إيران من خلال عقد المهرجان إلى اكتشاف إمكانيات البحث والصناعة في مجال تكنولوجيا النانو، ما يمهّد الطريق أمام الشركات الإيرانية للمشاركة في الأسواق الدولية وتعزيز الوعي العام بشأن منتجات تكنولوجيا النانو. واللافت أن المهرجان يتضمن مسابقة عن الفن وتقنية النانو، بعد أن دخلت هذه التقنية إلى معالم الثقافة من خلال الرسم والنحت.


مهرجان النانو

خصّصت إيران لتقنية النانو مركزاً خاصاً للتطوير منذ عام 2003، ويعمل هذا المركز على تحديد الأهداف الاستراتيجية والسياسات العامة والبرامج الوطنية لتطوير تقنية النانو في إيران. كذلك أقرّت إيران عام 2005 ما يعرف بوثيقة «استراتيجية المستقبل»، ورسمت هذه الوثيقة طريقاً لتطوير تقنية النانو، على أن تصل إيران في عام 2011 إلى المرتبة 15 في العالم في هذه التقنية.
وفي 30 أيلول الماضي، صدّقت مؤسسة المقاييس الدولیة «آیزو» على المقترح الإیراني لقياس «نانو المواد» وتنظیمها، ونشرته فی إطار المقاييس الدولية. وبهذة الطریقة یمکن بسهولة تقسیم نانو المواد علی أساس الخواص والممیزات ووضعها فی قالب فروع شجرة واحدة.
آخر الابتكارات الإيرانية في تقنية النانو أُعلنت في 18/10/2010، حيث تمكن الباحثون من العثور على تقنية لإزالة الأصباغ والدهانات والمنتجات الكيميائية الملوّثة للبيئة. وتعمل هذه التقنية من خلال نانو مسحوق أكسيد التيتانيوم، وقد نُشرت تفاصيل عن هذا العمل البحثي في مجلة «ساينس جورنال» .