البقاع الغربي ــ فيصل طعمةيقرر علي شبلي دعوة أصدقائه إلى العشاء وتناول «عرانيس الذرة المشوية» في منزله في سهل بر الياس. ومع أنّ منزل شبلي يبعد أكثر من كيلومترين عن مجرى نهر الليطاني، لم يسلم الزوار من الرائحة الكريهة التي راحت تزكم أنوفهم. يسأل أحد الضيوف: «شو هالريحة البشعة؟». يجيبه شبلي: «اليوم موعد ري المزروعات». ويشرح كيف يحضر النهر ضيفاً ثقيلاً لينغص علينا سهراتنا. ويروي أنّه بنى «بيت العمر» حجراً حجراً ليستمتع في الجلوس على الشرفات أو في الحديقة. «لكن ذلك يصبح مستحيلاً حين تكون المزروعات على موعد مع الري من مياه الليطاني»، يقول متأففاً. تتدخل نغم، زوجة علي، فتسأل: «ماذا نفعل؟ أنترك منزلنا ونسكن بالإيجار؟ وحتى لو فعلنا ذلك، كيف لنا أن نحضر الخضار والفواكه ونحن نعلم كيف تروى؟».
هذه هي حال أنهار البقاع، فإما أن تفيض شتاءً وتُغرق حقول القمح، وإما تجف صيفاً وتُحرم المحاصيل الزراعية، وخصوصاً الخضار والفواكهة من مياهها لتموت عطشاً.
مياه الأنهار تتغذّى من ينابيع شمسين، زحلة، قب الياس، شتورا، عين الزرقا ومشغرة، وتحيطها المقاهي والمطاعم على ضفتيها، فيما لا تقصّر الاستراحات في استغلال الأنهار كمكبات للنفايات أو عبر توجيه مصارفها الصحية إلى مجاريها. يضاف إلى ذلك أهمية توجيه مياه الصرف الصحي للعديد من المدن والقرى الواقعة على جانبي مجاري الأنهار، في ظل غياب خطة شاملة لمعالجة هذه المياه والإسراع في إقامة محطة التكرير في جب جنين.

العمل في محطات تكرير المياه المبتذلة يبدأ غداّ
يقول رئيس بلدية جب جنين، خالد شرانق، إنّ وضع الأنهار لم يعد يحتمل، «فالروائح والمياه تمثّل ضرراً كبيراً على صحة المواطن والمزروعات، والأصوات بدأت تعلو والأمر يزداد سوءاً، وخصوصاً في ظل الشح في مياه هذه الأنهار».
ويوضح أنّه أُنشئت ثلاث محطات لتكرير مياه الصرف الصحي، تقع الأولى في مشغرة وتستوعب 5000 متر مكعب بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتشمل أربع قرى هي: مشغرة، القرعون، سحمر وعيتنيت. أما محطتا صغبين وجب جنين فأُنشئتا بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية، وتنفيذ المجموعة المندمجة «نسما سافكريت» بقدرة استيعابية تقارب 11 ألف متر مكعب من 19 بلدة بقاعية. لم يخف شرانق تخوفه من عدم متابعة الصيانة بعد تسليمها للدولة، وخصوصاً أنّ إهمال هذه المحطات يمكن أن يولّد كارثة بيئية وصحية على كل البلدات.
ومن المتوقع أن يبدأ العمل في المحطات ابتداءً من يوم غد، فالأنهار والبحيرة لم تعد، بحسب شرانق، تحتمل المزيد من التلوث والإهمال، وبالتالي فإنّ تنظيفها وفتح مجاريها أصبحا ضرورة ملحة لتجنيب الأراضي الزراعية الفيضانات شتاءً والجفاف صيفاً.