تستقبل المرأة اللبنانيّة عيد المرأة العالمي، في مئويّة إعلانه، وهي لا تزال تتخبط في مصارعة جميع أشكال التمييز ضدها، بالرغم من الجهود التي تبذلها الجمعيات المدنيّة والأهلية في سبيل دفع قضاياها قدماً. «المساواة في الحقوق، تكافؤ الفرص: تقدم الجميع». هو العنوان الذي اختارته الأمم المتحدة للاحتفال بالثامن من آذار هذا العام
حياة مرشاد
يحتفل لبنان بمناسبة يوم المرأة العالمي، مستنداً إلى حراك ملحوظ في عام 2009، نجحت خلاله الحركة النسوية من تسجيل عدد من الإنجازات، لعل أبرزها «مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري»، الذي صاغته منظمة «كفى» وأحاله وزير العدل، إبراهيم نجار، إلى مجلس الوزراء لوضعه على جدول أعمال المجلس تمهيداً لإقراره. فقد نجحت المنظمة بتحويل قضية العنف ضد المرأة قضية وطنية شاملة، في ظل استمرار وقوع عدد كبير من النساء ضحيةً للعنف الأسري والاغتصاب الزوجي غير المصنف كجريمة. ولكن، الاستحقاق الأبرز يتمثل في القدرة على جعل العنف الأسرى، سواء أكان جسدياً أم جنسياً أم نفسياً أم اقتصادياً، جرماً يعاقب عليه القانون. وقد أثمرت مساعي الاتحاد النسائي التقدمي إنجازاً يتمثل بالسماح للمرأة اللبنانية بفتح حساب مصرفي لأولادها القصّر، وإن كان هذا إنجازاً «طبقيّاً» إلى حد ما، تستفيد منه النساء الميسورات مادياً، ومُرّر لعدم مسه بالعباءة الطائفية للأطراف السياسية كلها. ضف إلى ذلك، قانون حضانة الأم للأطفال الذي نجحت «شبكة حقوق الأسرة»، وبعد جهد سنوات، ضمن حملة 13/15 التي تهدف إلى توحيد سن الحضانة عند الطوائف كلها وجعله 13 سنة للذكور و15 للإناث، بتعديله لدى الطائفتين الإنجيلية والروم الأرثوذكس فحسب، فضلاً عن تحويل مشروع القانون المعدل للطائفة السنية إلى لجنة الإدارة والعدل في انتظار إقراره في مجلس النواب، واستكمال الشبكة النضال من أجل تعديله في جميع الطوائف دون استثناء. ولعل قانون الجنسية لم ينل نصيبه المفترض من حصاد النتائج على مستوى الجهود التي بذلها المجتمع المدني، بسبب الاعتبارات الطائفية والذكورية نفسها لدى معظم الساسة اللبنانيين، الذين اعتادوا الاختباء خلف فزّاعة التوطين لإنكار هذا الحق، إلاّ أن إثارة النقاش حول هذا الملف في مجلس الوزراء أثناء صياغة البيان الوزاري وجعله محط اهتمام الرأي العام علامة مضيئة في هذا المجال. وتؤكد رلى المصري، منسقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، أن «الحملة مستمرة في النضال وحشد الجهود إلى حين تعديل قانون الجنسية، لأن حق المرأة بإعطاء الجنسية هو من صلب حقوق المواطنة».
يبقى النجاح بدفع الحكومة اللبنانية في اتجاه رفع جميع تحفظاتها عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تمثّل مظلّة ضامنة لحقوق النساء كافة، التحدي الأكبر أمام الجمعيات النسائية والمدنية هذا العام. وكان لبنان قد صادق على الاتفاقية في عام 1996، أي بعد مرور 17 سنة على إقرارها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن مع تحفظات جوهرية، على مواد الجنسية والزواج والأسرة ومحكمة العدل الدولية، مسّت مقاصد الاتفاقية وأهدافها.
وللمناسبة، جددت «لجنة حقوق المرأة اللبنانية»، على لسان رئيستها ليندا مطر، مطالبتها بإقرار الكوتا النسائية في الانتخابات بنسبة 30 في المئة حداً أدنى، إقرار حق المرأة المتزوجة من أجنبي إعطاء جنسيتها لأولادها، وتعديل ما بقي من مواد مجحفة بحق المرأة في قوانين الضمان والتعويض العائلي والعمل وإجازات الأمومة. وأطلقت اللجنة حملة تواقيع شملت مختلف المناطق اللبنانية للمطالبة باستحداث قانون مدني للأحوال الشخصية، على أن تُرفع العرائض إلى المجلس النيابي في حزيران المقبل.
وفي يوم المرأة العالمي، تحضر قضية العاملات الأجنبيات اللواتي لجأن إلى لبنان لتطوير مستوى معيشتهن، فإذا بهنّ يعشن جميع أنواع العذاب، من انخفاض الراتب إلى المعاملة المهينة والضرب، والحرمان من يوم الفرصة والاعتداء الجنسي في بعض الأحيان، وثمة من غادر منهن في توابيت.

تفتقد الحركة النسوية هذا العام المناضلة الراحلة وداد شختورة

اللافت في روزنامة الأنشطة لهذا العام، أنها ليست في مستوى اليوبيل الماسي للذكرى، الذي احتفل به أول مرة من خلال أول مؤتمر عن حقوق النساء فى كوبنهاغن عام 1910. فاقتصار الأنشطة على الجمعيات النسوية الأهلية يطرح التساؤل عن دور المرأة النقابية والعاملة صانعة التاريخ الذي أطلق هذا اليوم من أجلها، ونتيجةً لنضالها على امتداد القرون الماضية من أجل المشاركة فى المجتمع على قدم المساواة مع الرجل. إقبال دوغان، رئيسة «رابطة المرأة العاملة»، التي نشأت لتحفّز النساء على دخول النقابات ووعي حقوقهن في سوق العمل وتوفير استشارات قانونية مجّانية لهن، تعتبر أن هناك «تراجعاً ملحوظاً للدور النقابي في لبنان، الذي غيّبت المرأة عنه، وخاصةً في المناصب العليا، إذ أصبح اليوم مسيّساً ولم يعد يهز الحكومات ويرعبها كما كان في السابق، ولعل الاتحاد العمالي العام خير دليل على ذلك».
أخيراً، تفتقد الحركة النسوية هذا العام الراحلة وداد شختورة، رئيسة «التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني»، التي تركت بصماتها في مواقع العمل النسائي والنقابي والديموقراطي وكرست حياتها للنضال في سبيل تحقيق المساواة، وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية.