هاني نعيمفيما يتكاثر المهمّشون في العالم وتتضخم الضواحي، متزامنة مع تدهور أوضاع هؤلاء المهمّشين، كان يبدو ضرورياً إلقاء الضوء على تجارب هؤلاء، وخصوصاً أن التهميش يتسرّب إلى المجالات كلها: ضواحٍ تغرق في الفقر. مخيّمات لاجئين تفتقر إلى الحد الأدنى من مقوّّمات الحياة. امرأة، مثليون، عمال أجانب، كلهم ضحايا التهميش.
فماذا عن مهمّشي العالم؟ هذا السؤال يحاول «مهرجان جنى الدولي الخامس لسينما الأطفال والشباب» الإجابة عنه عبر مقاربات سينمائيّة مختلفة، بدأت أمس، وتنتهي في 27 الجاري، ويشارك فيها 49 فيلماً من 25 دولة من العالم، بينها أربع دول عربيّة هي لبنان وفلسطين والأردن ومصر.
اختيرت هذه الأفلام من أصل 300 فيلم وصلت إلى لجنة الشباب لاختيار الأفلام في مركز المعلومات العربي للفنون الشعبيّة (الجنى). وهي اللجنة التي عملت قبل فترةٍ سابقة مع المخرج هادي زكّاك لتطوير قدراتها على اختيار الأفلام على أسس سينمائيّة محددة.
ويوضح منسّق المهرجان هشام كايد أن «75% من الأفلام أنتجها أو أخرجها أطفال وشباب، و25% أنتجها متخصصون في الإنتاج والإخراج ومحترفون عن حياة الأطفال والشباب». ويرى كايد أن هذا المهرجان «فرصة للأطفال والشباب والواقعين خارج اهتمام الدول ومؤسساتها للتعبير عن أفكارهم وتطلعاتهم وأحلامهم التي من الممكن أن تتحقق إذا أرادوا ذلك». كذلك أشار كايد إلى أن «سبب تركيز المهرجان على الأطفال والشباب المهمّشين، لأنهم يمثّلون حلقة الوصل مع المستقبل، وأكثر صراحة وأقل تزلّفاً من الكبار».
أما ما يميّز المهرجان هذا العام (يقام كل سنتين منذ عام 2000) فهو اختياره عنوان «الاختلاف». ويأتي هذا الاختيار لدحض مقولة «إذا لم تكونوا معنا فأنتم ضدنا، التي تقود الإنسانيّة إلى الهاوية». وهنا، يسأل كايد: «لِمَ الخوف من الاختلاف والخوف من الآخر؟».
ولن يتمركز المهرجان في بيروت، بل سيجول على مناطق تُعدّ مهمّشة. سيحطّ في طرابس، الهرمل، صور والنبطية، ليعود بعدها إلى مخيم برج البراجنة في بيروت.
ثمة ميزة أخرى لهذا المهرجان. فبحسب كايد، «سينما الشباب أثبتت قدرتها على اختراق الواقع بكل وقاحته وقساوته، بعيداً عن اكسسوارات الإعلام ومكياجه». أكثر من ذلك، لا يقتصر دور هذا المهرجان على إبراز المواهب، فهو يسهم في تنمية الحس الفنّي لدى الشباب وإغناء ثقافتهم من خلال الاطلاع على تجارب المهمّشين في العالم، إضافة إلى تعزيز إيمانهم بذاتهم ومحيطهم وبالآخر.
وسيوقّع، على هامش المهرجان، كتاب «دارنا يا بعيدة وقريبة» لأطفال فلسطينيين، يروون فيه ويرسمون الحرب والتهجير اللذين عاشوهما ويعيشونهما. كذلك يتضمن الكتاب في جزء كبير منه تجربة الشباب مع أطفال مخيم نهر البارد، وكيفيّة الحدّ من تأثير الحرب عليهم. ويوضح كايد أنه «يمكن اعتباره مرجعاً لمساعدة الأطفال للخروج من آثار الحرب».
ومن النماذج التي يعرضها المهرجان، تجربة الشاب في فلسطين المحتلة الذي يعاني من عنصريّة الاحتلال الذي يدمّر بيته ساعة يشاء، ويعتقله ويعذّبه دون أي رادع. ومن بنغلادش، يصوّر بعض الشباب كيفية معاملة الأساتذة لهم، ويعطون مثالاً الأستاذ الذي يقطع آذان طلابه لأنهم يقرأون بصوت منخفض. أما الشاب السويدي، فيعرض معاناته مع أهله الذين يهتمّون بالقطّة في بيتهم أكثر منه، وهذا ما يؤثّر على معنويّاته وسلوكه اليومي.
هذا نموذج من التجارب التي تحتفي فيها بيروت بشباب ضواحي العالم. تحوّل ساحاتها مسرحاً يومياً يمارس فيه المهمّشون قهرهم وبؤسهم.


لا تعريف موحّداً للتهميش

لم يُتّفق بعد، إلى الآن، على تعريف واحد للتهميش. ولكن الإطار العام له يتحدد بأنه عدم اهتمام الدولة بفئات من نسيجها السكّاني ـــــ الاجتماعي، على صعيد عدم إشراكهم في العمليّة السياسيّة والإداريّة والاقتصاديّة للبلاد، وعدم تنفيذ أي مشاريع تنموية لهؤلاء السكان تساعدهم على إيجاد حلول لمشاكلهم وأزماتهم المتعددة. وقد يعود عدم الاهتمام لأسباب عرقية، مناطقيّة، طبقيّة وغيرها.
في العقود الأخيرة، توسّع التهميش، وامتد من أقصى شمال الكوكب البائس إلى جنوبه، مروراً بضواحي المدن وأزقتها المكفهرّة، دون أي تمييز قومي، إثني، جنسي، لغوي.
وإذا ما أراد روائي ما كتابة قصة طويلة عن واقعنا، فهو لن يجد عنواناً أفضل لروايته من: «التهميش في زمن العولمة».