صغار ــ عمر حبيبغطّت ملصقات صور الشاب العشريني التي طبعها الأصدقاء على عجل، زجاج السيارات وجدران بلدته «صغار» في البترون، وخاصة تلك المؤدية إلى منزل أهله. وكأن المصيبة بفقدانه لم تكفِ، فكان الخبر: مات الياس نعمة الله بفيروس إنفلونزا الخنازير «آي إش1 إن1». أعلنت ذلك أمس، وزارة الصحة العامة في بيان لها بعد تحليل عينات أخذت من جثته بعد تشريحها. لكن النبأ لم يكن قد تأكّد بعد لدى التشييع عصر السبت الفائت. مات «أبو ليلى» إذا. و«أبو ليلى» هو اللقب الذي ينادي به الأصدقاء ما بات اللبنانيون يعرفونه على أنه «أول حالة وفاة بفيروس آي1 أش1»، في لبنان. والياس، الذي توالت المصائب على عمره القصير، فأصيب بالشلل صغيراً، ثم بسرطان الغدد اللمفاويّة الذي أفقد جسده مناعة كانت لتحميه من الإصابة بما تعارف الناس على تسميته وباء «أنفلونزا الخنازير».
وإذا كانت وسائل الإعلام قد أعلنت عن موعد دفن هو الخامسة عصر السبت الماضي، فإن أهل الفقيد اضطرّوا، إلى إجراء مراسم الدفن قبل موعدها الأصلي بسبع ساعات كاملة. أما السبب؟ فهو ما يمكن تسميته من باب التهذيب بـ«التململٌ» الذي أصاب بعض أهالي قريته، أو بتعبير أصرح: الذعر، من حضور الجنازة خوفاً من العدوى!! لا بل إن بعض رجال الدين أنفسهم، اعتذروا عن عدم الحضور، رغم طمأنة الجهات المختصة، من وزارة الصحة إلى الأطباء والمسؤولين في المستشفى، إلى أنَّ المتوفَّى لم يعد يمثِّل أي خطر لناحية نقل العدوى إلى الآخرين.
وصل الجثمان عند العاشرة صباحاً إلى القرية، فتمَّت المراسم بحضور عدد قليل جدّاً من الأقارب. هكذا دُفن الياس بسرعة، مع أن تابوته كان، كما قال أحد أبناء القرية لـ«الأخبار»: مختوماً بالشمع الأحمر، فيما نفى آخرون ذلك. لكن الأكيد هو أن لا أحد في صغار استطاع (أو أراد؟) إلقاء نظرة أخيرة على الياس.
نحو الخامسة مساءً، أي بعد الدفن بساعات، عاد أبناء القرية إلى الظهور. ثم غصَّ المنزل بمعزِّين، من بينهم عدد كبير من رجال الدين، على رأسهم المطرانان جوزف طوق وفرنسيس البيسري. وعلاوة على ذلك، حضر كثيرون من خارج القرية للتعزية. وفي الصالون كان السؤال الوحيد بين المعزين الذين أتوا على الموعد المعلن للدفن الخامسة مساء، عن سبب الاستعجال في الدفن. أما الجواب، الذي كان يأتي همساً، فكان أقرب إلى التكهّنات، في ظلّ عدم صدور نتيجة التحاليل النهائية عن مختبر وزارة الصحة (الذي صدر مساءً).
لكن والد الياس ينفي إصابة ابنه بالفيروس، فهو لا يزال متمسِّكاً بما قاله له وزير الصحة خلال اتصال هاتفي في اليوم السابق للدفن، من «أن الياس لم يمت بسبب الأنفلونزا». ويحمِّل الوالد المفجوع الإعلام مسؤولية ما يسمّيه بالشائعة «إعلاميون يكذبون ويخربون بيوت الناس من أجل سبق صحافي» يقول. أما الوالدة، فلم تكن قادرة حتى على الإيماءة، فقد كانت تحت رحمة الحبوب المهدئة.
لكن ما حصل بعد الدفن، من انتشار للشائعات عن إصابة أحد أقارب المتوفى بـ..الفيروس نفسه، لا بل إعادة أسباب العدوى الى إحدى قريباته الآتية أخيراً من «أوستراليا» السيئة السمعة بالنسبة لموضوع الوباء، يجعلك تتوقع أن تطول معاناة عائلة من أصبح رسمياً الضحية الأولى لأنفلونزا الخنازير.


بيان وزارة الصحة

أكّدت وزارة الصحّة العامة وفاة الياس نعمة الله الخميس الفائت في مستشفى أوتيل ديو «بسبب التقاطه فيروس أنفلونزا الخنازير». وكانت الوزارة قد أصدرت بياناً أشارت فيه إلى «أن نتيجة تحليل العينات التي أخذت من جثة نعمة الله في المختبر الوطني لإثبات إصابته بفيروس آي إتش1 إن1، كانت إيجابية». وأشارت الوزارة إلى أن التقاط نعمة الله للفيروس كان واحداً من الاشتراكات العديدة التي ساهمت في الوفاة، وخصوصاً أن المريض كان فاقداً للمناعة بسبب إصابته بسرطان الغدة اللمفاوية ولم يتجاوب مع العلاج.