نسيم عرابيحملة «التحضر المدني» عبر نشر العدّادات على أرصفة الشوارع وصلت إلى الميناء. بدأ الأمر بنشرها على رصيف شارع رشيد كرامي الرئيسي، ثم ما لبثت أن تشعّبت كالفطريات داخل الأزقة الضيقة يميناً ويساراً. لاقى الموضوع منذ بداية طرحه (قبل سنة ونصف سنة تقريباً) ترحيباً وتشجيعاً وتغطية مباشرة من المجلس البلدي، بما أن مشروعاً كهذا سيخفّف الضغط وزحمة السير في المدينة، دون الأخذ بعين الاعتبار المشاكل التي يمكن أن تسبّبها هذه العدّادات.
أولى هذه المشاكل كانت تزامن نشر العدادات مع تزامن نشر الحفر وأعمال صيانة أنابيب المياه، التي ما زال يعانيها سكان الميناء حتى كتابة هذه السطور. بالتالي، تنظيم عملية ركن السيارات اقترنت مع فوضى مرور السيارات، هذا إضافةً إلى عدم الاستفادة من هذه العدّادات طوال فترة الأعمال.
المشكلة الثانية هي عدم توافر المواقف الخاصة في كل المباني السكنية، إذ يؤكد أصحاب هذه المباني أنهم دفعوا سابقاً رسم «بدل عن موقف» للبلدية لعدم توافر هذا الموقف، على أن يستعمل الرصيف المقابل للمبنى موقفاً لركن سيارات السكان. هذا الظلم الذي لحق بسكان هذه المباني، اعترف به عضو في المجلس البلدي لأحد المواطنين، حيث عبّر عن «أسفه الشديد» لذلك (الأسف الذي يترافق مع تذبيل العينين ووضع اليد على كتف المواطن) دون المساعدة على إيجاد الحل! وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع أعضاء المجلس البلدي لا يواجهون هذه المشكلة، فهم يفرزون أحد عناصر الشرطة البلدية ليقف حارساً على سياراتهم عند اجتماعهم في قاعة المكتبة البلدية، للفت نظر موظفي الشركة اللبنانية للعدادات، إلى أنها «غير مخالفة» لكونها عائدة إلى أعضاء المجلس المجتمعين في الداخل!
الوساطات والمحسوبيات مكانتها محفوظة أيضاً في موضوع العدادات. فحتى الآن، لا يمكن تفسير غياب عدّاد واحد على طول شارع رشيد كرامي، يقع مباشرة أمام محل لبيع الأجهزة الخلوية وصاحبه معروف الانتماء إلى تيار سياسي نافذ في الشمال!
نقمة الأهالي على انتشار هذه العدادات تعبّر عنها عيّنة من المواطنين. فؤاد (21 سنة)، وهو طالب جامعي، «أثنى على نشر هذه العدادات في شوارع دول حقيقية، لا في شوارع مدن تقع في كيان جغرافي بعيد كل البعد عن النظام والدولة». أما وردة (56 سنة)، الناظرة في مدرسة رسمية في الميناء، فلا ترى أي تقدم في تنظيم شوارع المدينة نظراً للاستنسابية في تطبيق النظام بين شارع وآخر، وسلوك موظفي الشركة «اللئيم»، إضافةً إلى عدم العمل بنظام العدّادات في الشهر الأكثر فوضى وزحمة على مدار السنة، شهر رمضان!