البقاع الشمالي ــ رامي بليبلفي آب الماضي، اعتقد أهالي الهرمل بأنّ مغارة مار مارون ستحظى وأخيراً باهتمام رسمي. فالموقع الأثري شهد القداس التأبيني «لشهداء مار مارون» الذي أقيم للمرة الأولى على أرضه وكان بمثابة بارقة أمل لهم، إذ رأوا فيه الخطوة الأولى في مسيرة الاعتراف بالدير كمحجّة دينية مقدسة. ولكن، حالما انتهى الاحتفال وغادر المؤمنون والحجاج حتى عاد الدير ومغاوره إلى النسيان. ويخشى أهالي الهرمل أن يطول النسيان كثيراً الآن بعدما اعترفت البطريركية المارونية ببلدة براد السورية مدفناً لمار مارون. ويذكر الأهالي أنّ الهرمل لم يحظَ يوماً باهتمام المرجعيّات الدينية به رغم أنه يحتضن مغارة «مار مارون» وديره الذين تؤكّد المراجع التاريخية أنهما استُعملا من جانب نسّاك ورهبان. ففي القرون الوسطى عُرفت المغارة بـ«مغارة الراهب»، التي أُطلقت عليها في الفترات اللاحقة تسمية «مغارة مار مارون». وترتفع المغارة حوالى مئة متر عن الضفة الشرقية لنهر العاصي، وهي بمحاذاة نبع عين الزرقاء، وتشرف على منحدر شديد ينتهي في أسفل الوادي. أضيفت إلى المغارة، التي يحصّنها موقعها الطبيعي، عدة غرف تتدرّج على ثلاث طبقات ذات جدران مبنيّة من الطين، ولها نوافذ وقماريات، أيّ فتحات عمودية ضيقة، بعضها كان الرماة يستخدمونه للرمي بالقوس. وامتد السكن إلى المغاور المحيطة بهذه، حيث أُنشئت صوامع فأصبحت المغارة ديراً للصلاة والعبادة.
وبحسب الروايات المحلية، فقد لجأ القديس مارون إلى هذه المغارة في القرن الرابع للميلاد مع بعض الرهبان المسيحيين، وجعلها ديراً له قبل أن ينتقل إلى قورش. ولكنّ المؤرخين يرفضون هذه النظرية، مؤكّدين أن الراهب مارون عاش فقط في قورش.
تزور الوفود الرسمية والسياحية هذا الدير للتمتع بجمال العمارة فيه من جهة، ولإضاءة شموع الأمنيات من جهة أخرى، لكنّ هذه الزيارات تبقى خجولة بعض الشيء، ويغلب عليها الطابع الشعبي. يقول علي الساحلي (صاحب مقهى على العاصي): «يكاد يكون الدير مهجوراً لولا بعض السيّاح الذين يقصدون المقاهي على العاصي فيعرّجون لزيارته من بعيد، وهو يفتقد أبسط الخدمات، وأهمها حمايته من العبث بجدرانه التي تتعرض للتخريب، فيعمد البعض إلى طليها بالدهان تارةً، وبالحفر تارةُ أخرى».
تمني أهل الهرمل أن تدرج المغارة على لائحة المواقع الدينية يأتي بهدف الحفاظ عليها أوّلاً، ثم التنمية السياحية ثانياً. وأن يكون هذا الموقع أو لا يكون مركزاً لمار مارون لا يخفّف من أهميته كموقع شبه فريد من نوعه في لبنان، لأنه محفور ومبنيّ في الصخر، وهذا ما يدعو الجهات الرسمية، لا الدينية، إلى إدراجه على لائحة اهتماماتها.