الرجاء ممّن يريد الدخول خلع حذائه للحفاظ على طهارة المكان»، هي عبارة تستقبلك على أبواب الحوزات الدينية، التي اختار عدد من الشباب الذين لم تستهوهم الصروح الجامعية، ارتيادها. لهؤلاء أسلوب مميز في كل شيء: لباس خاص، مفردات خاصة، وهدف واحد: أن يكونوا «طلاب علم»
سمية علي
في إحدى الحوزات الدينية، يجلس سامر عباني ويتحدث بثقة كبيرة عن كل الأسباب التي دفعته إلى أن يصبح «طالب علم». يحاول جاهداً إبراز مواهبه في ما يخص فنّ الكلام، فهو هادئ حتى عندما يحاول أحدهم استفزازه. «من واجبي أن أكون ملمّاً بتعاليم ديني»، هكذا يقول سامر، ثم يصمت قليلاً قبل أن يضيف إنه عند إنهائه الدراسة سيؤدّي دور المبلّغ «الذي يسهم في نشر تعاليم الدين، التي من شأنها بناء مجتمع سليم». يرفع سامر يده فتلمح في أحد أصابعه خاتم العقيق اليماني، الذي يضعه أغلبية رجال الدين، أما السبحة، فلا تفارق يده الأخرى حتى في لحظة عدم تلاوة التسبيح. أنهى سامر دراسته الجامعية، لكنه فضّل أن يلقّب بالشيخ بدلاً من المهندس، على الرغم من رفض الأهل فكرة ارتياده الحوزة الدينية. يرفض الشاب أن يكون الانتفاع المادي سبب هذا الاختيار. فبالرغم من تلقّي الطلّاب راتباً خاصاً مقابل تفرغهم للدراسة الدينية، فإنّ هدف سامر الأول والأخير هو «أن أضمن آخرتي وأنشر تعاليم المذهب الشيعيّ». لكن هل يحتاج الناس إلى مبلّغين في ظل التطور الهائل لوسائل الاتصال؟ يجيب محمد سبيتي، وهو طالب في إحدى الحوزات الدينية، عن هذا السؤال قائلاً إن الدين لم يأتِ لتعطيل الطاقات، وهو قابل لمواكبة التطور التكنولوجي. يتحدث محمد عن تجربته الخاصة، فهو حائز إجازة في هندسة الاتصالات، لكنه يرى أن خدمة المجتمع لا تكون إلّا بإلمام الشباب بالجانبين الديني والأكاديمي. ما يثير حفيظة سبيتي هو القول إن بعض الشباب يلجأون إلى الدراسة الدينية لتوفير مستوىً عال من الرفاهية المادية التي يتمتع بها عدد من رجال الدين حالياً، بالنسبة إليه الربط بين الاثنين بديهي لأن «الهدف الأساسي لطلاب الدين هو نيل الرضى الإلهي، الذي قد ينعكس ازدياداً في المال والثروة».
من ناحية أخرى، يعزو أحد الطلاب، رافضاً ذكر اسمه، أسباب متابعته العلوم الدينية إلى عدم قدرته على استكمال دراسته الأكاديمية وإلى التقرّب من الله. ليست هذه الأسباب وحدها التي تدفع الشباب إلى تلقّي العلوم الدينية، فبعضهم يحرّكه حب الاطّلاع والمعرفة كالشاب محمد جابر، الذي اختار ارتياد الحوزة إلى جانب الجامعة، وذلك بدون علم أصدقائه لأن «هدفي الوحيد هو مجرد الاطّلاع على بعض الأمور الدينية، لذا فضّلت إخفاء الأمر عمّن هم حولي».
في حوزة الرسول الأكرم، وفي المبنى المخصص للفتيات تتحدث هبة مروّة، الشابة العشرينية، عن الدور المهمّ الذي ستؤدّيه كمبلّغة في ما بعد. ترى هبة أن الإعلام لا يستطيع نشر الدين في المجتمع، لأنه بات حالياً مجرد وسيلة للتضليل.
أما نجاح رضوان، فترتاد معهد الشريعة منذ عامين. عليه وقع اختيارها لأنه «بالدين وحده أستطيع التأثير إيجاباً في من هم حولي». ترتدي نجاح النقاب، مؤكّدة أنه لم يُعِق أحلامها يوماً، فطموحها لا حدود له، إذ إنها تطمح، بعد إنهاء الدراسة، إلى نشر تعاليم السنّة، وأن تؤسّس لإعادة إحياء الخلافة الإسلامية. تتشارك نجاح الحماسة نفسها مع محمد الطيار، الذي لم تجذبه الجامعة يوماً، فالبيئة المتديّنة التي نشأ فيها زرعت فيه ذلك الميل الحاد نحو اتجاه التدين. أمّا أميرة ناصر، الطالبة في معهد الشريعة فهدفها التعلّم من أجل تلقين أبنائها تعاليم مذهبهم في ما بعد، مؤكّدة «كما نحن بحاجة إلى الطبيب والمهندس، نحن بحاجة إلى الدعاة».


لسنا ملائكة ومن حقنا أن نخطئ