سمية علي
«أنتم في العالم ولستم من العالم» إنجيل يوحنا (15). بهذه العبارة تصف أنطوانيت رعيدي (25 عاماً) واقع طلاب الدين المسيحيّين. هي واحدة ممن اختاروا سلوك طريق الرهبنة والاختلاف عن الآخرين، وخصوصاً لجهة نظرتهم إلى الحياة وكيفية عيشها. ترى الطالبة في قسم العلوم الدينية في الجامعة اليسوعية أنها ورفاقها ممّن «كرّسوا حياتهم لخدمة الرب» لا يشبهون الآخرين، في إشارة إلى غير المتديّنين، ولكنهم وُجدوا «لمساعدتهم ولإرشادهم». تلمح في عيون الراهبة اليافعة إيماناً غير محدود تعزوه إلى عائلة متديّنة وتنشئة مدرسية تركّز على تلقين طلابها تعاليم الدين المسيحي. تنظر إلى الزيّ الذي ترتديه: ثوب زيتيّ اللون يغطي كامل جسدها، إضافةً إلى قطعة تضعها على رأسها لإخفاء شعرها. «إنه ثوب الرهبنة» تقول صديقتها، هلا طنوس (25 عاماً)، الراهبة أيضاً. تقول إنه يرمز إلى العفّة والطاعة والفقر. تصمت قليلاً لتروي كيف أصبح هذا الزيّ بما يمثّله خيارها الوحيد: «كنت فتاة عادية، غير شديدة التدين»، كما توضح، مضيفةً إنها كانت تحب شابّاً، وإنها اختبرت الحياة بتفاصيلها. فهلا ليست من عائلة متديّنة تداوم على حضور القداس وممارسة الطقوس الدينية، لكن سبب النقلة في حياتها كان حين اكتشفتُ «أنّني لم أجد حبيباً أفضل من يسوع لأكون له». تعترف الفتاة بصعوبة خيارها، فهي لا تستطيع الآن القيام بما كانت تقوم به سابقاً كالسهر والخروج مع الأصدقاء، والأهم أنها لن تتزوج كغيرها من الشابات، وهو ما دفع بأهلها إلى معارضة خيارها بشدّة. هنا تتدخل أنطوانيت معتبرةً أن الآخرين لا يتفهّمون سلوكهنّ وأسباب اختيارهنّ الرهبنة وهنّ شابات. ثم تروي قيام بعضهنّ بتجاهلها ومعاملتها بنفور، وخصوصاً عند النظر إلى زيّها.
نفهم الشباب الآخرين لكننا نفهم أكثر منهم في الدين
تلمس في حديث هؤلاء الشباب ثقة كاملة بخيارهم، ربما لأنهم «اختبروا حبّ الله» كما يقول وسام، وربما لأسباب أخرى. أصدقاؤهم من غير المتديّنين «لم يختبروا حب الله»، لذا بقوا خارج جنة الرهبنة التي لم يراود أنطوانيت الندم على دخولها في أي لحظة من اللحظات، تتلمّس الفتاة الصليب الذي يتدلّى من عنقها، تقبّله وتقلّبه وتمعن التأمل فيه مردّدة «الحمد الله».