على مدى أربعة أيام يخيم طيف أينشتاين، نيوتن، ماري كوري، ابن سينا وغيرهم من العلماء فوق سماء ميدان سباق الخيل في بيروت. هناك، يتعرف عدد كبير من الزوار الشباب على ما خلّفه هؤلاء العباقرة من اختراعات كان لها التأثير الأكبر على حياتهم في إطار أيام العلوم في نسختها الثانية
سمية علي
«واحد، اثنان، ثلاثة» تعد تينا حيدر (10 سنوات)، تركض لمسافة قصيرة ثم تعود أدراجها إلى حيث انتظرها شاب يرتدي مريولاً أبيض اللون لقياس ضغط دمها بعد هذا التمرين الصغير. هذا الاختبار لم يجر في عيادة أحد أطباء القلب بل في معرض «أيام العلوم» الذي كان بمثابة موسوعة علمية شاملة لعدد كبير من الطلاب من فئات عمرية مختلفة. صغار وكبار جالوا أقسام المعرض الأربعين دون كلل، ففي كل زاوية قصة ومعلومة يطلعهم عليها طلاب متطوعون من جامعات واختصاصات علمية مختلفة.
في قسم علم الأحياء يحتشد عدد كبير من التلامذة، يستمعون إلى أحمد الخطيب، الطالب في الجامعة اللبنانية الأميركية وهو يشرح لهم حقيقة أنفلوانزا الخنازير وأساليب الوقاية منها. يقول أحمد إنه قرر التطوع في المعرض ليضع ما تعلمه خلال سنوات الدراسة الأربع في خدمة من تجتذبهم المعرفة العلمية. في الناحية الأخرى من القسم نفسه مجموعة أخرى من التلامذة يصغون إلى شرح مستفيض تقدمه لهم الطالبة أمل قبيسي عن كل ما يتعلق بالخلايا وكيفية عملها في جسم الإنسان. «في شي كتير حلو هونيك» يهمس كارلو شاهين (13 عاماً) لصديقه، في تلك اللحظة يقرر الصديقان المغادرة إلى الجهة الأخرى حيث «قسم الكيمياء». يقف كارلو مذهولاً أمام ما يشاهده: دخان أصفر اللون يتصاعد فجأة بعد مزج مادتين سائلتين. ما السر؟ يسأل، فتجيبه طالبة الكيمياء في جامعة البلمند ديما موسى داعية إياه لإجراء التجربة بنفسه. «هدفنا هو أن نقدم مادة الكيمياء للشباب ولصغار السن بطريقة مبسطة ومسلية»، تقول ديما. لم تثر هذه الأقسام الفضول العلمي لدى روادها فقط بل دفعتهم أيضاً إلى طرح أسئلة غريبة. فبعد استماعه إلى ما تعنيه كلمة DNA أو الخريطة الجينية أراد جو أبو حيدر (14 عاماً) إجراء الفحوصات اللازمة «لكي أتعرف على خريطتي الجينية عندها سأعلم إن كنت سأظل وسيم المظهر بعد أن أتقدم في السن». في الجهة المقابلة لقسم الكيمياء يتجمع عدد لا بأس به من الفتيات، «كيف تحضّر الجبن؟» هذا ما كتب على مدخل ذلك القسم الذي لعبت فيه زهراء قصير دور ربة منزل تنجح بتحضير الجبنة اللذيذة بنفسها. تابع التلامذة جولتهم، فزاروا قسم الزراعة حيث تعرفوا على مراحل نمو النبات وكيف تتحول البذرة إلى شجرة. كما توقفوا ملياً للاستماع إلى أسباب ندرة المياه وكيفية الحفاظ على مصادرها ومنع تلوثها، كما شرح عدد من الشباب المتطوعين فوائد الطاقة الشمسية وكيفية استخدامها كمصدر أساسي للطاقة. كذلك، مر الزوار على أقسام أخرى كقسم الكمبيوتر والفلك والصحة. في مكان آخر من المعرض يشرح طالب الفيزياء محمد عبد الله للتلامذة الزوار عن قوانين الجاذبية وأسرارها. يخبرهم عن «سحر الفيزياء المسؤولة عن ظواهر عديدة نشاهدها في حياتنا اليومية دون أن ندرك أسبابها». ينصت إليه أنطوني (16 عاماً) باهتمام ثم يتطوع للمشاركة في إحدى التجارب التي تشرح تأثير الطاقة الميكانيكية على حركة الأجسام، قبل أن يعلن عن قراره بالتخصص في مجال الفيزياء التي «أجدها ممتعة، وخصوصاً أنها تجعلني أكثر فهماً لهذا الكون الذي أعيش فيه».
في القسم الخاص بالصليب الأحمر يلقّن متطوعون شباب زملاءهم من الطلاب المبادئ الأساسية للإسعافات الأولية. غادر الزوار المكان الذي أمضوا فيه يوماً علمياً بامتياز، يوماً من «أيام العلوم» الذي سيختتم عند العاشرة من مساء اليوم.


الخطوة التالية تحتاج إلى دعم

تتحدث المشرفة على «أيام العلوم» نجوى باسيل (الصورة) عن المعرض قائلة: «الهدف هو تقديم العلوم، وخاصة لتلامذة المدارس على أنها أمر بسيط وممتع لا معقد.
المعرض يحاول أخذ الزائر في جولة علمية تمتزج فيها المتعة بالفائدة، وهو يُعدّ مساحة لاكتساب المهارات العلمية من خلال استخدام وسائل الإيضاح كالميكروسكوب والتلسكوب، ومن خلال إجراء التجارب مباشرة أمام الزوار».
تصمت باسيل قليلا وتضيف أن اللجنة تأمل أن يجول المعرض الذي يقام للسنة الثانية على التوالي على كل المناطق اللبنانية، لكن الكلفة العالية لهذا المشروع تحول دون تنفيذه، معبرة عن تطلعها لمزيد من الدعم من وزارة الثقافة أو من المتمولين المساهمين في المشروع لتحقيق ذلك.