يستخدم سياسيّو لبنان ومسؤولوه في كلّ خطاباتهم وكلامهم اليومي كلمة «وطني» كثيراً، رغم أنّهم بعيدون كلّ البعد عن معناها، ما يثير غثيان الشباب
دبي ـ ملاك وليد خالد
بما أنّ رجال السياسة قرروا الصيام، فالناس قد يقرأون شيئاً غير تصريحاتهم المهمّة التي يتفضّلون بدلالتها علينا كل صباح ومساء. «شكراً رمضان» على صيامهم جميعاً، و«ميرسي لالله» على ذلك (الاقتباس عن إحدى المرشحات لمسابقات ملكات الجمال اللبنانية، وما أكثرها، عنجد ما أحلانا ولو)!
في دروس التربية الوطنية قيل لنا: «الوطن هو ما يوفّر للإنسان حاجاته الأولية: الأمن، الطعام والشراب، المسكن والملبس». كاذبة هذه التربية، كما التاريخ في أغنية «توت توت عَ بيروت» لمارسيل خليفة، وفي الحالتين: أكلنا الكف!
ما أستطيع قوله في هذه الحالة «شحاري أنا، كل مناهجنا دجل ومسخرة».
بفضل الكسارات فإنّ أكبر محمية للأرز هي على جوازات سفرنا
أتعجب من رصانة «رطانة» السياسيين والمسؤولين، وتعجبني كذلك، حين يتحدثون عن أشياء «وطنية». مغرمون هم بإضافة كلمة «وطنية» بعد عدد من الكلمات التي لا أفهم كيف يمكن لأمثالهم استخدامها أصلاً، وتصعب علي أكثر حين تصير وطنية بزيادة.
الخطة الوطنية، الروح الوطنية، المسؤولية الوطنية، الضمير الوطني، إلخ إلخ إلخ... من تعابير وطنية تثير الغثيان أحياناً، وأحياناً أخرى تثير الضحك حدّ البكاء شفقة على النفس.
ثم انتبه أنّ عليّ أن أحمد الآلهة التي أنزلت هذا الوطن من السماء، وأشكرها لأنّ ساسة هذا البلد ومسؤوليه لم يتوصلوا بعد إلى استخدام كلمة «أخلاقي» مثلاً.
آسفة، لكنّي أتمنى أن يراوحوا مكانهم في مربّع «الوطنية»، فلن تسعفني خاصرتي في الضحك مديداَ حين أسمع أحدهم مثلاً يحكي عن «الضمير الأخلاقي» الذي هو أفضل من يتحلى به «أكيد أكيد ما في شك».
في النشيد الوطني اللبناني كلّ الفخر لمنبت الرجال: أنا ومثيلاتي كثيرات لا يفخر بنا هذا الوطن، ومع ذلك ثمة رجل كتب النشيد وأجيال غنّته وتريدنا كلنا له، غصباً عنا. هو وطن لا يريدني، فلماذا أريده لي وطناً؟
لا أريد أن أعيش في لبنان، على الأقل في هذا العمر المنتج والمفروض أنّه عمر الإبداع والطموح. لا أريد أن ألتزم عن براءة «هبلة» بحب الشوارع والأماكن والذكريات التي ستتغير ملامحها وسيغيرون هويتها. لا أريد بلاداً تتبنّى الشعارات والمحبة الدموية لآخرين جلّ ما يميزهم عني هو جيوبهم المنتفخة بمالي أنا شخصياً وضمن مجموعة من شعب «خرفان» يرعى مصالحهم قبل أي شيء آخر.
لا أريد ببساطة أن أعيش في «وطن» لم يعطني شيئاً وسلب مني أعصابي ويومي وسيسرق مني كل حلم بالغد الأفضل، إن لم يكن لي فلأبنائي، لو أفكر في بناء أسرة فيه. هذا وطن؟ هذه المزرعة سأهرب منها كما الأرنب المحبوس في قفص والبراري قربه، لو قتلتني بارودة الحرس «الوطني»، أقله فسأكون قد جرّبت فـ«يا بتوصل ع الموت يا بتوصل عالحرية» أليس كذلك؟
ثم إنّني لم أعد أرى اخضرار لبنان الأخضر كما كان في طفولتي مثلاً. فبفضل كسارات الرؤوس في كيس البصل الهائل الذي هو هذا البلد، فإنّ أكبر محمية للأزر هي على جوازات سفرنا، نحن اللبنانيين، الذين يتوق جيلنا إلى استبداله بأيّ جواز آخر «محترم». أليس هذا ما يفعله كلّ من يستطيع إليه سبيلاً في هذا البلد العجيب؟ بربكم، بأربابكم كافة، من بعل إلى آدون إلى الآلهة كلّها، المتحاربة والمتعايشة في آن واحد على أرض هذا البلد، كيف يفترض بي أن أرغم نفسي على حصر هذا الـ«لبنان» واحترامه في عناوين فضفاضة عليها حروفه تصنع كلمة «وطن»؟