يتحلّقون حول صديقهم الذي أتى من وراء البحار. خلفهم بيوت بيضاء مطعّمة بشبابيك زرقاء. هم شبانٌ وشابّات يجلسون في قلب تونس، وقلبهم على بيروت
أسعد ذبيـان
في كلامهم خليط من العربية الممزوجة بالفرنسية، الأمازيغية، والإيطالية. يرطن التوانسة بلهجة عربية لعلها الوحيدة التي تشرّع التقاء الساكنين، فتبذل مجهوداً لكي تفهمهم.
يبدأ إسماعيل الحديث عن عمق العلاقة اللبنانية ـــــ التونسية المتجذّرة منذ قرّر الفينيقيون أن يرسوا على شواطئ شمال أفريقيا. ثمّ يدور الحديث عن التشابه بين البلدين في أوجه عديدة كالمناخ، ثقافة الشعب، الانفتاح وسط المحيط العربي، الحجم الجغرافي، طول الشاطئ.. وصولاً إلى أطباق الطعام المتنوعة،
قلب التوانسة على لبنان وقلب أبنائه عالحجر
والكلمات التي تحمل معنى مزدوجاً في المجتمعين، بحيث تكون «باهية» (جيدة) في أحدهما، و»خايبة» (سيئة) في آخر. عندما تسمع ضحى باسم لبنان، يتبادر إلى ذهنها أصدقاؤها الذين تعرّفت إليهم في أحد برامج التبادل الطلابي، ثم تكرّ سبحة الخواطر لتحكي عن الدبكة، الأرز، التبولة، والسهر في بيروت. لم تزر ضحى لبنان من قبل، لكنّها تنتظر ذلك بفارغ الصبر.
أما عصام الذي زار لبنان عام 2006 وتنقّل بين بيروت وطرابلس، فتتبادر إلى ذهنه صور الحرب والدمار، وصورة هيفاء وهبي ونانسي عجرم في الوقت ذاته. يتدخل محمد ليقول إن أول ما يتبادر إلى ذهنه عند سماع كلمات «حبيبي، وإذا بتريد، وعمول معروف»، هو اللياقة والكياسة اللبنانية و... منظر الفتيات الساحرات. سيصل محمد في الشهر المقبل لقضاء سبعة أيام «من دون نوم» في بيروت ليحكم بنفسه على صدق ما يسمعه عن أجواء «الفقش والطقش» هناك.
يعود إسماعيل ليتدخل متحدثاً عن الشعب اللبناني وقدرته على التعبير عن نفسه، كم أنّهم وطنيون جداً، فخورون بأنفسهم حد الثمالة، ومغرورون أحياناً. يحكي عن مدى انجذاب الفئات الشابة من تونس ولبنان بعضهما لبعض.
تصدقه نسرين التي اعتادت محادثة لبنانيين عبر الإنترنت، القول، معترفة بأن أول ما يتبادر إلى ذهنها عندما تسمع باسم بلاد الأرز هو التنانير القصيرة، نجوى كرم، راغب علامة، والتزلج. بينما ترى عبير أن فيروز هي سفيرة لبنان الأولى، التي تحمل بصوتها هضابه وجباله وأوديته. تعرف أكثر من عشرة لبنانيين وتعتبرهم جميعاً أصحاب قلوب واسعة، يحبون الحياة، ويجيدون التصرف. يستغرب «التوانسة» كيف لا يتفق اللبنانيون في ما بينهم ويخلصون للاستنتاج أن السبب في وجود إسرائيل، ووجود الطوائف. لم يسمع معظمهم بالرؤساء سليمان، والسنيورة، وبري، ولا بالنائبين جنبلاط وعون. لكنهم يعرفون بعض الشيء عن الرئيس الحريري، والسيد نصر الله، وهم لا يفهمون سبب خلاف مناصريهم بما أن الاثنين قدما أغلى ما عندهما، حياة الأول وابن الثاني، للبلد نفسه؟
يجلسون في قهوة «شبعان» في منطقة «سيدي بو سعيد» في العاصمة التونسية، ويجولون بأحاديثهم بين شوارع بيروت، مصايف بحمدون، شواطئ جبيل، رمضانيات صيدا، وقرى الجبل والجنوب. ينظرون إلى لبنان كقطعة من فردوس يحلمون برؤيتها، بينما يجلس شباب في مناطق مختلفة من لبنان يفكرون في «فيزا» للهجرة، أو في تكتيكات واستعدادات لدورة اقتتال داخلية جديدة. يمزح أحدهم قائلاً: «قلب التوانسة على لبنان، وقلب اللبنانيين عالحجر».