صيفاً، يعملون، يرمون حقائبهم المدرسية وأقلام التلوين ويحملون أدوات العمل، فتضيع النزهات ومغامرات الطفولة. يكبرون مع العمل الموسمي، وتبقى الحاجة مدخلاً لولوجهم عالم الكبار باكراً
سمية علي
«جيب العفريت يا ولد» عند سماعه هذه الكلمات يركض محمد عبد الله البالغ من العمر عشر سنوات إلى داخل محل ميكانيك السيارات الذي يعمل فيه كل صيف، يجلب العفريت ثم يقف لينتظر أي أوامر أخرى من صاحب العمل. يتشارك محمد مع كثيرين من أترابه القصة نفسها، هم أطفال يعملون لأسباب عديدة، يكبرون قبل أوانهم بتحمل مسؤولية تبدو أكبر من أجسامهم الصغيرة. يصف محمد يوميات صيفه بالمتعبة، فعمله في محل بيع قطع السيارات يمتد من الساعة الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً. هناك، يقضي نهاره متنقلاً من سيارة إلى أخرى ومن زبون إلى آخر. أما ثمن هذا اليوم الطويل فخمسة آلاف ليرة «أعطيها لوالدي المريض بعد أن أشتري بوظة أو لوح شوكولا». في مكان آخر، وتحديداً في محل لبيع الأدوات الصحية في منطقة الغبيري، يقف مروان سلمات محاولاً إقناع عدد من الأشخاص بجودة ما يبيعه المحل. يرى مروان البالغ من العمر أربعة عشر عاماً أن فصل الصيف هو فصل التعب، فهو يقضيه بين جدران المحل الذي يعمل فيه حالماً بيوم العطلة الذي «أقضيه مع أهلي أو برفقة أصدقائي». يقول مروان ذلك ثم ينصرف للاهتمام بأحد الزبائن، وعند الانتهاء يختصر أسباب لجوئه للعمل صيفاً بكلمة واحدة: الحاجة، فالحاجة هي التي دفعته للعمل زهاء سبع ساعات يومياً مقابل مئة ألف ليرة أسبوعياً يمنحها لوالده مساهمة منه في مصروف المنزل «لأن راتب الوالد لا يلبي احتياجات العائلة». في أحد شوارع بيروت، يتنقل علي الدر (13 عاماً) جاراً عربة لبيع العصير وبعض المرطبات، يحرص البائع الصغير على تأمين طلبات زبائنه بسرعة كبيرة، وبعد الانتهاء، يجلس ليأخذ استراحة قصيرة. تأمين المصروف ومساعدة الوالد هما من جملة الأسباب التي جعلت من هذه العربة رفيقة لعلي، فهو يستلمها من والده عند الساعة الواحدة ظهراً حتى الثامنة مساءً، وما يجنيه في هذه الفترة «هو بمثابة مساهمة في قسط المدرسة للعام الدراسي المقبل». غالباً ما تمضي ساعات عمل هؤلاء الصغار ثقيلة ومتعبة، وخصوصاً عندما يتعرضون خلالها لكمّ من الإهانات من أرباب العمل أو الزبائن، إضافة إلى مخاطر جسدية عديدة. على يدي محمد المقداد (12 عاماً) الذي يعمل في أحد محال تصليح السيارات، بقع سوداء وحمراء، ينظر إليها ثم يبتسم موضحاً أن السوداء منها هي آثار الشحم، أما الحمراء فهي «شوية حروق، عادي». يصمت قليلاً ليروي كيف مات صديقه أحمد وهو يعمل تحت إحدى السيارات ذات صيف.
حتى الآن يعجز القانون عن حماية هؤلاء القاصرين مما تفرضه عليهم ظروفهم المعيشية الصعبة. فقانون العمل ينص على أنه يمنع منعاً باتاً عمالة الأطفال الذين لم يتموا الثالثة عشرة من العمر، وفي بعض الوظائف التي تعتبر ضارة ومؤذية يمنع القانون عمل أي طفل تحت عمر السادسة عشرة. كما يمنع القانون نفسه تشغيل أي طفل دون السادسة عشرة لأكثر من ست ساعات يومياً، على أن تتخللها ساعة راحة على الأقل حين يتعدى وقت العمل الأربع ساعات يومياً. ولكن، في ظل غياب آلية تطبيق جدية، تبقى القوانين حبراً على ورق.