نوع من تكافل «عالعمياني»، حوّل جدران حمّامات AUB إلى «فشة خلق» للطلاب، يعرضون عليها مشاكلهم بانتظار حلول زملائهم
ملاك عواد
موضوعنا عن الحمّام، فلا تستغرب، لأن الحمام، الذي ليس سوى مكان لقضاء الحاجة بالنسبة إلى البعض، أو لتصليح المكياج بالنسبة إلى معظم الفتيات، أصبح في الجامعة الأميركية في بيروت حائط مبكى، أو منتدى لمناقشة قضايا مختلفة، أو مكاناً لطلب النصح، أو حتى للاعتراف بخطيئة تثقل الصدر.
هكذا، أصبحت جدران الحمامات مساحة «للفضفضة» إلى متلقٍّ مجهول، وتحوّلت إلى كاتمة أسرار على غرار صديق الـchatting الذي يعدّه البعض خير حافظ للسر، أو حبيب التليفون، أفضل منصت إلى الشكاوى. تدخل حمّامات البنات في الجامعة وتحتار من أين تبدأ. فالكتابات لم تترك بقعة على الجدران إلا واجتاحتها. تنال علاقات الحب القسط الأوفر منها. هنا، قصة فتاة تركها حبيبها وتفكر في الانتحار. وهناك فتاة محتارة تسأل «مرتادي الحمام» نصيحتهم في موضوع يؤرقها: هل تقدم نفسها لحبيبها؟ فتاة أخرى تعترف بندم أنها «مارست الخطيئة الكبرى» معه. منهن من يسطّرن كلمات الكره للوالدين، وخصوصاً الأب. إلى جانب هؤلاء، نجد اللواتي يردن التوبة بعد مخالفة القانون، مثل السارقة والمعتدية. أما الأبرز، فهو اعتراف كثيرات بالمثلية الجنسية، وبحث معظمهن عن شريكات.
تبدو السرية التامة حول هوية الكاتبات هي «القيمة المضافة» الأهم التي تقدمها هذه المساحة بالنسبة إليهن، فقد سألنا عشرين فتاة عند خروجهن من الحمام إن كنّ قد كتبن شيئاً، وجاء نفيهن بالإجماع.
في المقابل، لم تخجل ساندي، المصابة بمرض فقدان الشهية، من الإفصاح عن هويتها، إذ إنها كتبت رقم هاتفها مع عبارة «أريد صديقاً يساعدني». اتصلنا بها، فشرعت بالكلام عن تجربتها «الأروع»، كما تصفها، إذ إنها لم تكن تتوقع الكمّ الكبير من الاتصالات التي وصلتها، والتي أسهمت صاحبة إحداها في مساعدتها لتشفى تماماً من مرضها الذي تعزوه إلى عملها عارضة أزياء.
وفيما يتضاءل قرّاء الصحف والكتب يوماً بعد يوم، يكثر قراء الجدران. سارة أحدهم، تدخل كل يوم الحمام خصيصاً لكي تقرأ كلّ جديد وتوزع تعليقاتها على الموضوعات. أما ملاك فتكتفي بقراءة ما يسترعي اهتمامها من دون أن تعقّب على الرسائل، لأنه «تنحِل مشاكلنا منبقى منساعد غيرنا»، فيما تسخر أخريات من قصص الجدران: «زغر عقل» و«روحي احكي لرفيقتك بدل ما تكتبي عالحيطان»، يقلن.
في الحمام المحاذي، حمام الشباب، تطغى المواضيع السياسية وتختفي المشاكل العاطفية. إذ باتت الجدران هناك أشبه بمجموعات الفايسبوك المتناحرة. في كلّ يوم نشرة «جدارية» من الأخبار السياسية. وعلى غرار المحللين، كلٌّ يدوّن رأيه. محمد يدخل الحمام أكثر من مرة في اليوم عند وجود خلاف جداري حاد، ويضيف تعليقاً جديداً على تعليقه السابق. كذلك يفعل أحمد وخالد. ولا يخلو الأمر من الشتائم لهذا أو ذاك من الزعماء، ومن الشعارات الانتخابية والحزبية: «فكر صح»، «نحنا كثير bleu»... لماذا يكتب الشباب على جدران الحمامات؟ يجيب الطلاب بجمل ردوا بها على هذا السؤال المكتوب: «هواية»، «لطرح أسئلة وقصص» أو «للحصول على أجوبة».