البقاع| مع بداية كل موسم صيفي، ومن خيرات تلة السلوقي وسهل حوشباي في البقاع، يجمع أفراد «تعاونية العدل والإحسان للتصنيع الغذائي» في شمسطار حبات الفاكهة على أنواعها، والمواد الزراعية الأولية التي يحتاجون إليها لإنتاجهم العضوي. لا يحدّ من نشاط أعضاء التعاونية سوى التغيّر المناخي، وارتفاع أسعار بعض الزراعات اللذّين طرآ هذا العام. فالتعاونية التي درجت سنوياً على إنتاج ما يفوق 36 طناً من مكدوس الباذنجان
، و12 طناً من رب البندورة (السائل والجامد)، بالإضافة إلى عشرات الأنواع من المونة المنزلية، لم تجد خلال الموسم الحالي، من كل هذه الأصناف، سوى عيّنات رمزية.
ورغم أن عمر تعاونية العدل والإحسان لم يتجاوز سنتين، وعدد أفرادها يتراوح بين 9 و12 شخصاً فقط، إلا أنه قد «تمكنّا بفضل إنتاجنا العضوي ومميزاته من الدخول إلى معارض عديدة، آخرها معرض «أرضي» الذي حققنا فيه نجاحاً لافتاً» كما يقول أحمد الطفيلي، مسؤول التصنيع الغذائي في التعاونية.
ويحوي مركز التعاونية في شمسطار مختلف أنواع آلات التصنيع الغذائي، الأمر الذي يسهّل العمل والإنتاج، وفقاً للمعايير الصحية والغذائية. لكن المشكلة، بحسب الطفيلي، تكمن في أن إنتاج التعاونية قد تأثر كثيراً خلال الصيف الماضي بعد موجة الحر التي ضربت مواسم المزارعين، وأدت إلى عدم توافر العديد من الأصناف الزراعية، «وهو ما سبّب لنا مشكلة حقيقية لم نتمكن من حلها، وخصوصاً أنها دفعتنا إلى التوقف عن العمل والإنتاج لمدة شهر ونصف شهر» كما يؤكد. فبعد نهاية شهر رمضان، ارتفع ثمن كيلو البندورة على نحو جنوني، حيث وصل سعر الشرحة (الصندوق) إلى 22 ألف ليرة «وهو ما مثّل أمامنا عائقاً فعلياً، وخاصة أننا كنا نحتاج يومياً إلى ما يقارب 600 كيلو لنلبّي طلبات يقوم بها الزبونات، وتكون بحسب مواصفات يعمدون إلى تحديدها»، كما يشرح الطفيلي. «لا يشبه برنامج عمل تعاونية العدل والإحسان في شمسطار البرنامج الذي تضعه التعاونيات الأخرى عادة»، كما يشير علي زين، رئيس التعاونية، ويكمل شارحاً بقوله: «تعاونيتنا لا تكتفي بإنتاج أصناف المونة العضوية، بل يشمل عملها المجال الخيري، حيث إنها ترعى أكثر من 98 عائلة فقيرة، فتساعدها في تدبير شؤونها الحياتية والمالية، أكان ذلك عبر صرف رواتب شهرية لكل عائلة، أم إمدادها بمنتجات غذائية، أو حتى ألبسة، وكل ذلك من ريع مبيعات التعاونية» كما يقول.
أما مشكلة عدم وجود أسواق تصريفية للمنتجات، فقد نجحت محاولات التعاونية في الالتفاف عليها، حيث «فُتح باب الطلبيات لإعداد موائد أطعمة للمناسبات على اختلافها، وقد ثبت نجاح هذه المحاولة بالنظر إلى الطلبات المتزايدة التي تتلقاها التعاونية، وخاصة أن هذه الموائد تزخر بأطعمة صحية من زراعات عضوية، فيها من التراث والحداثة ما يلفت الانتباه» كما يشرح زين.
بالإضافة إلى كل ذلك، تفتح تعاونية العدل والإحسان مجال العمل أمام أفراد العائلات الفقيرة والنسوة اللواتي يمكنهن تقديم المساعدة في التعاونية، من خلال خبراتهن في إعداد الأطعمة. هكذا، انضمت كرمى صقر (60 عاماً)، إلى التعاونية، لهدفين أساسيين: أولهما يعود إلى «توفير دخل مادي يساعدها في مواجهة مشقات الحياة» كما تقول، بالإضافة إلى «الأجر والثواب» من الهدف النبيل للتعاونية في مساعدة المحتاجين والفقراء. صقر، المسؤولة عن طبخ سائر أنواع المنتجات، أكدت أن التعاونية تصنع مختلف أنواع المربيات من سفرجل (قطع ومبروش) وتين وتفاح وباذنجان وعنب (إصبع العروس)، فضلاً عن الكشك والمكدوس وزيت الزيتون والمخللات على أنواعها، ومعظم أصناف البرغل. أما ريتا الظريف (36 عاماً)، فتساعد على إعداد أطعمة الموائد للمناسبات، وتشدّد على أن «تزايد طلبات الناس على مأكولات التعاونية وإنتاجها هو أبرز دليل على تميزها». فالسيدة تؤكد مدى حرصها وزميلاتها في عملهن على تصنيع منتج صحي بعيد كلياً عن المواد الكيميائية والمبيدات. «نلجأ إلى تصنيع إنتاجنا في المواسم الطبيعية، بعيداً عن منتجات الخيم وعن محاصيل المزارعين الذين يستعملون المواد الكيميائية» كما تقول.
كما غيرها من التعاونيات الزراعية والغذائية في لبنان، تواجه تعاونية العدل والإحسان مشاكل وصعوبات كثيرة، سواء لناحية غياب الدعم الحكومي عنها، أو صعوبة استحصالها على قروض أو ضيق أسواق التصريف، ما يضطرها مرغمة إلى اجتراح الحلول حيناً، أو انتظار دعم المحسنين في حين آخر، أي شيء سوى إقفال باب التعاونية الذي سيؤدي إلى التخلي عن 98 عائلة تعتاش من خيراتها.