قبل أكثر من عام، وقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان في باحة قصر عدل بيروت خطيباً: «للمتقاضين أن ينعموا بمحاكمات عادلة موضوعية وسريعة، ذلك أن التأخر في المحاكمات يوازي الامتناع عن إحقاق الحق». بهذه الكلمات افتتح سليمان السنة القضائية لعام 2009 ـــــ 2010. صدحت آنذاك باحة «الخطى الضائعة» بكلمات رئيس الجمهورية متوجهاً إلى القضاة: «على عاتقكم تقع مسؤولية استعادة ثقة المواطن بالقضاء والقضاة». هكذا، انتهت السنة الماضية وثقة المواطن مفقودة بالسلطة المعنية بترسيخ العدالة، السلطة التي تعدّ ركيزة أساسية في قيام الدولة إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية.
لم يكن الحديث عن المشاكل التي يعانيها القضاء مجرد تحليل أو تنظير، فألسنة المسؤولين في الدولة كانت وما زالت تلهج معترفةً بالواقع السيّئ، فها هو وزير العدل إبراهيم نجّار يطلق مع بداية السنة القضائية الماضية ورشة بعنوان «تنقية المرفق القضائي» بعدما فاحت رائحة الفساد من عدد لا بأس به من العاملين في هذا المرفق. مع نهاية السنة القضائية الماضية، سجّل القضاء سابقة لم يعرفها لبنان منذ الاستقلال، فقد أعلن الوزير نجّار عزل أحد القضاة «بسبب تجاوزاته وتلقّيه رشوة مالية»، لافتاً إلى أن هذا العزل «سيكون رسالة على طريق إصلاح القضاء الذي يشهد حالياً ورشة إصلاحية، وأن ثمة قرارات أخرى في هذا الإطار ستصدر لاحقاً». ومنذ ذلك الحين، لم تُعلن رسمياً قرارات صادرة عن هيئة التفتيش القضائي والهيئة العليا للتأديب، وتعليل ذلك بحسب المسؤولين أن القانون لا يجيز إعلان هذه العقوبات رسمياً، باستثناء عقوبة العزل، لكن «الأخبار» حصلت على لائحة بالعقوبات والتدابير التي اتخذتها هيئة التفتيش القضائي، بحق بعض القضاة والمساعدين القضائيين خلال عام 2010 وهي على الشكل الآتي: إنزال عقوبة التنبيه بحق أحد القضاة، لفت نظر قاضيين، إنزال عقوبة التأنيب بحق مساعد قضائي، إحالة مباشر إلى المجلس التأديبي الخاص بالمساعدين القضائيين، حسم راتب مساعدة قضائية، عقوبة تأخير تدرّج 6 أشهر بحق رئيس أحد الأقلام في بيروت، عقوبة حسم راتب بحق أحد الكتبة، عقوبة تأخير تدرج 3 أشهر بحق رئيس أحد الأقلام في بيروت.

التأديب وأعمال المحاكم

ورد إلى هيئة التفتيش القضائي خلال العام الجاري 208 شكاوى، فُصل منها 134 وبقيت 74 قيد النظر، وقد أشار مسؤول قضائي رفيع في حديث مع «الأخبار» إلى أن مُعظم الشكاوى التي فُصلت «حُفظت (وُضعت على الرف) لعدم الجدية، وأن التحقيقات لا تزال مستمرة في الشكاوى التي لا تزال قيد النظر»، لافتاً إلى أن المفتش العام بتكليف من رئيس الهيئة «قام بجولات تفتيش على قصور العدل، تحديداً في زحلة وجديدة المتن وبعبدا وطرابلس». كان لافتاً أنّ الجولات لم تشمل قصر عدل بيروت، دون ذكر الأسباب. ماذا عن الأحكام التي لم تصدر في مواعيدها ولا تزال متأخرة؟ وماذا عن القضاة الذين يتأخرون في بتّ المحاكمات بأعذار واهية أو عمداً أحياناً؟ يجيب المسؤول القضائي قائلاً: «لقد جرت اتصالات بين أعضاء هيئة التفتيش والقضاة الذين لم يصدروا أحكامهم في مواعيدها، ولا يزالون متأخرين عن إصدارها، وذلك لحثهم على الإسراع في إصدار هذه الأحكام تحت طائلة مساءلتهم تأديبياً، وخاصةً أنّ الهيئة تولي هذا الموضوع اهتماماً بالغاً». إذاً، لن يكون بإمكان المتابعين لمس هذا «الاهتمام البالغ» إلّا من خلال ما ستحمله الأيام في العام المقبل، علماً أن وزارة العدل كانت قد أرسلت خلال عام 2010 أكثر من تعميم إلى النيابة العامة التمييزية، وذلك بشأن «ضرورة تسريع التحقيقات مع الموقوفين احتياطياً، وتسريع محاكمة من صدرت بحقهم قرارات ظنية»، فضلاً عن تعاميم مشابهة أرسلت إلى النيابات العامة في جميع المحافظات وإلى النيابة العامة المالية، بوجوب التقيّد بمضمون المادة 402 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على وجوب أن يتفقّد كل من النائب العام الاستئنافي أو المالي وقاضي التحقيق والقاضي المنفرد الجزائي مرّة واحد في الشهر، الأشخاص الموجودين في أماكن التوقيف والسجون التابعة لدوائرهم، ومع ذلك بقي نص هذه المادة حبراً على ورق لا أكثر، إذ لم يتقيّد به كثير من القضاة المعنيين. أما في ما خص أعمال المحاكم اللبنانية، فقد ورد خلال السنة القضائية 2009 ـــــ 2010 إلى المحاكم المدنية والجزائية 128733 قضية، لكن جرى بتّ 141669 قضية، حيث أنجزت 12936 قضية من كسر السنوات السابقة، من أصل 2219343.

محطات قضائية

شهد عام 2010 عدداً من القضايا التي شغلت الرأي العام، والتي أحيلت على القضاء لبتّها، كان من أبرزها: صدور 33 مذكرة توقيف عن القضاء السوري بدعوى اللواء الركن جميل السيد بشأن «شهود الزور»، شملت شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية من الفريق المحيط برئيس الحكومة، وذلك بعد رد القضاء اللبناني التبليغات السورية. صدور القرار الاتهامي بحق رجل الأعمال «المفلس احتيالياً» صلاح عزّ الدين. توقيف 3 شبّان بتهمة القدح والذم بحق رئيس الجمهورية على «الفايسبوك»، ثم إخلاء سبيلهم مقابل كفالة مالية. إعلان وزير التربية توقيف شبكة تزوير في الامتحانات الرسمية وإحالة المتورطين على القضاء. المحكمة العسكرية تصدر حكماً غيابياً بالمؤبّد على الشيخ عمر بكري فستق، قبل أن يخلى سبيله بعد نحو أسبوعين على توقيفه. صدور مرسوم التشكيلات القضائية وسط خلافات جرى تخطيها داخل الحكومة. افتتاح السنة القضائية لعام 2010 ـــــ 2011 ورئيس مجلس القضاء الأعلى يعلن أنّ مركزه سوف يصبح شاغراً مع إحالته على التقاعد نهاية العام الجاري.

أمن المواطن في عام

مرّت أيام العام سريعاً لكنها كانت حافلة بأحداثها أمنياً. أحداثٌ طغى بعضها فمثّل عناوين العام البارزة، وكان منها المأساوي كحادث تحطّم الطائرة الإثيوبية وجريمتي كترمايا وأحداث برج أبي حيدر بين حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية. تكلل العام بإنجازات سُجّلت للتاريخ كاشتباك جنود الجيش اللبناني مع القوات الإسرائيلية على الحدود الجنوبية، واستمرار تهاوي شبكات التجسس الإسرائيلية مع توقيف موظّفين في شركة «ألفا»، ومفاجأة تورّط القيادي في التيار الوطني الحر العميد فايز كرم بالتعامل مع العدو الإسرائيلي. يضاف إليها صدور حكم المحكمة العسكرية بالإعدام على عميلين وغيرها من الأحداث التي محاها النسيان، أو لا تزال محفورة في الذاكرة.
افتُتح عام 2010 بكارثة الطائرة الإثيوبية التي سقطت بعد إقلاعها من مطار بيروت وكان على متنها 90 راكباً قُتلوا بأجمعهم في 25 كانون الثاني. انتهى الشهر الأول من العام ليبدأ شهر شباط، الذي شهد صدور حكمين بالإعدام على العميلين محمود رافع وحسين خطاب في اليوم 18 منه. شهر نيسان كان حاضراً بقوة على الصعيد الأمني، ففي الثالث منه دهم الجيش مخيماً في عيون أرغش وصادر كمية من حشيشة الكيف وأسلحة متوسطة وثقيلة، وألقى القبض على 4 أشخاص بعد إطلاق النار على عائلات في بشري. في اليوم التالي، وقع تمرّدٌ في سجن رومية المركزي أدى إلى أسر عناصر أمنية لكن قوى الأمن تمكّنت من إنهاء التمرّد وإطلاق سراح العناصر الأمنية في 5 نيسان. في الثامن من الشهر نفسه وقعت اشتباكات بين عناصر من الجبهة الشعبية في كفر زبد تدخّل على أثرها الجيش اللبناني لتطويق الحادث وفرض طوقاً أمنياً. سادت حال هدوء في هذا الشهر الساخن أمنياً لنحو أسبوع قبل أن يعلن حي الشراونة في بعلبك منطقة عسكرية مغلقة إثر اشتباك مع أفراد من آل جعفر، أدّى إلى مقتل أحد المطلوبين. وفي 20 نيسان عُثر على قنبلة أمام منزل النائب إيلي ماروني في زحلة وأخرى على سيارته، فوضعت الحادثة في إطار الرسالة التهديدية. قبل أن ينتهي شهر نيسان، وتحديداً في 28 منه، حصلت جريمة قتل في كترمايا راح ضحيتها زوجان عجوزان وحفيدتاهما. الجريمة هزّت البلد لفظاعتها لكن لم تكد تجف دماء الضحايا حتى ارتُكبت جريمة ثانية في اليوم التالي، فقد تمكّن عدد من أهالي البلدة من سحب المشتبه فيه من أيدي عناصر قوى الأمن أثناء معاينة مكان الجريمة وأشبعوه ضرباً حتى الموت قبل أن يُصار إلى تعليق جثّته على عمود في ساحة البلدة.
مع بداية شهر أيار، وقع خلاف في بلدة ضهر العين ـــــ الكورة أدى إلى مقتل شقيقين ينتميان إلى تيار المردة قبل أن يُسلّم المشتبه فيه الى القضاء اللبناني في الثلاثين منه. أما في حزيران، فكان الحدث الأبرز توقيف استخبارات الجيش اللبناني رئيس قسم الإرسال في شركة «ألفا» شربل ق. بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي. ومن شركة «ألفا» أيضاً خرج آخر مشتبه فيه، فقد تمكنت استخبارات الجيش من توقيف شريك شربل ق. المشتبه فيه طارق ر. بالتهمة نفسها في 14 تموز. وفي 22 تموز عُثر على جثة المخرج محمود المقداد مكمّمة الفم في منزله في الأشرفية ولا تزال ملابسات الجريمة غامضة حتى اليوم. انتهى تموز ليبدأ شهر آب باشتباك عنيف بين جنود من الجيش اللبناني وقوّة إسرائيلية في بلدة العديسة الجنوبية أدّى إلى سقوط ثلاثة شهداء للجيش واستشهاد الزميل في «الأخبار» عساف بو رحّال بقذيفة دبابة إسرائيلية أُطلقت على مركز الجيش اللبناني. وبالعودة إلى ملف العملاء، فقد أُعلن في 4 آب توقيف القيادي في التيار الوطني الحر العميد المتقاعد فايز كرم بتهمة التعامل مع إسرائيل. وبعد 10 أيام قُتل أمير «فتح الإسلام» عبد الرحمن عوض في كمين لاستخبارات الجيش في شتورا بعد عملية رصد محكمة. في الشهر نفسه، وقع اشتباك مسلّح بين عناصر من حزب الله وأفراد من جمعية المشاريع الخيرية في برج أبي حيدر ومحيطها، أدّى إلى مقتل مسؤول حزب الله في المنطقة ومساعده، فضلاً عن أحد شبان جمعية المشاريع.
بدأ شهر أيلول، استمر هادئاً أمنياً حتى يوم العشرين منه، فقد حصل تمرّد للسجناء في سجن القبة في طرابلس، تمكّن خلاله السجناء المتمردون من أسر بعض الحرّاس مطالبين بنقلهم من السجن، قبل أن تتمكّن القوى الأمنية من إنهاء التمرد بعد مفاوضات أدّت إلى الموافقة على طلب السجناء المتمردين بنقلهم من السجن المذكور.
ساد جوّ من الهدوء حتى 21 تشرين الأول عندما استشهد ضابط وجندي في الجيش اللبناني أثناء مداهمة في مجدل عنجر. وفي 16 تشرين الثاني عاد سجن رومية إلى الواجهة من الباب العريض. حصلت محاولة فرار لسجينين، فنجح أحدهما بالفرار، ليتبيّن أن هناك تواطؤاً من حرّاس السجن في عملية الفرار. في 18 تشرين الثاني بدأت حركة احتجاج للسجناء الإسلاميين في رومية بسبب التدابير الأمنية المتخذة إثر محاولة الفرار، أعقبها إضرابٌ مفتوح عن الطعام. وفي الشهر نفسه، وبعد مرور نحو 4 أشهر، تمكّن تنظيم «فتح الإسلام» من الانتقام لمقتل أميره، فقد قتل عناصره العريف في الجيش اللبناني يوسف يوسف عند نقطة المصنع بإطلاق النار عليه، علماً أن العريف المذكور كان قد شارك في استدراج أمير التنظيم عبد الرحمن عوض.
أخيراً، جاء شهر كانون الأول استخبارياً بامتياز. ففي الثالث منه أحبطت «المقاومة الإسلامية» عملية تجسّس على شبكة اتصالاتها قرب مجدل سلم ما دفع إسرائيل إلى تفجير أجهزة تنصت كانت قد زرعتها على الأراضي اللبنانية. في 15 من الشهر نفسه، أعلن الجيش اللبناني تفكيك منظومتي تجسّس وتصوير إسرائيليّتين في صنين والباروك بناءً على معطيات زوّدته بها المقاومة. وفي التاسع منه طلب القاضي رياض أبو غيدا عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة للعميد فايز كرم قبل أن يُختم الشهر بمقتل مسؤول جند الشام غاندي السحمراني في مخيم عين الحلوة، الذي قد لا يكون الأخير.


وزير الدفاع «فزّاعة» للصحافيين
شهد عام 2010 اعتداء وزير الدفاع اللبناني الياس المر (الصورة) على الجسم الصحافي في لبنان. فقد انتفض الوزير المر بسبب مقال للزميل حسن علّيق بعنوان: «الجد في السان جورج والعلم في مسرح جريمة اغتيال غانم»، وذلك على خلفية ذكر علّيق أن وزير الدفاع استمهل قائد الجيش توقيف العميل الجد فغادر الأخير الأراضي اللبنانية في اليوم التالي ولم يعد. يومها عقد وزير الدفاع مؤتمراً صحافياً هدّد فيه وأرعد معلناً أن «كاتب المقال سيُستدعى إلى مديرية المخابرات ليُسأل من وراءه ليرمي هذه المعلومات المدسوسة» وقال: «ستذهب فرقة من المكافحة لتوقفه وتأتي به». كذلك ذكر المرّ أنه سيوقَف أي صحافي ينشر معلومات خاطئة. ولم يكتف المر بإعلانه عن التوقيف بل ذهب أبعد من ذلك، إذ وصف كاتب المقال بأنه العميل الأول لإسرائيل. استُدعي علّيق إلى وزارة الدفاع بناءً على استنابة من المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا على ‏خلفية المقال، واستُجوب هناك خلافاً للإجراءات القانونية المعتمدة قبل أن يُطلق سراحه.