بدا القضاء اللبناني خلال عام 2010 عاجزاً (أو غير راغب؟) عن فعل شيء حيال بعض القضايا، التي كان من أبرزها موضوع «شهود الزور» في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كثرت التأويلات والتحليلات التي اختلط فيها السياسي بالقضائي، لناحية صلاحية القضاء اللبناني النظر في هذا الموضوع بعدما أصبح في عهدة المحكمة الخاصة بلبنان المنبثقة عن مجلس الأمن، فظهر القضاء اللبناني بمظهر المكبّل بالأغلال حيال هذا الأمر.
حُسم الجدال أخيراً داخل الحكومة، حيث كُلف وزير العدل إبراهيم نجّار بتاريخ 18 آب إعداد تقرير عن موضوع «شهود الزور». أصدر نجّار تقريره الذي رأى فيه النائب محمد رعد أنه «يحمل الشيء ونقيضه». أخذ الجدال شكلاً آخر، إذ دخلت البلاد مذاك في انقسام حول هذه المسألة، ففريق المعارضة السابقة يصرّ على إحالة الملف إلى المجلس العدلي، فيما يصرّ فريق 14 آذار على عدم الإحالة، ويرى أن الإحالة يمكن أن تكون إلى القضاء العادي، علماً أن هذا القضاء لم يبادر من تلقاء نفسه للتصدي لهذه المهمة التي يمكنه المبادرة إليها من دون أيّ إحالة من أحد. وها هي الأيام الأخيرة من عام 2010 تنقضي من دون حسم هذا الجدال العقيم. في السياق نفسه، وبتاريخ 16 أيلول، أصدر المدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا قراراً يطلب فيه استجواب اللواء الركن جميل السيد (الصورة)، وذلك على خلفية ما ورد في مؤتمر صحافي للأخير تناول فيه موضوع «شهود الزور». كان السيد آنذاك خارج لبنان، يتابع القضية في هولندا لدى المحكمة الخاصة بلبنان، وعند عودته إلى بيروت لم يجر توقيفه بحسب ما طلب ميرزا، حيث حظي بحماية أمنية. يذكر أن المدير العام السابق للأمن العام كان قد اعتُقل تعسفياً لنحو 4 سنوات. وقد دعا حزب الله إلى التراجع عن قرار استجواب السيد، معتبراً إياه «قمعاً سياسياً». من جهته، تقدّم السيد بمراجعة لدى محكمة التمييز طلب فيها تنحية ميرزا، وإقصاء المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن. وطالب النائب العماد ميشال عون بلجنة نيابية للتحقيق مع ميرزا وريفي والحسن في قضية «شهور الزور». في المقابل، أصدرت كتلة «المستقبل» بياناً رأت فيه أنّ «المحكمة الدولية هي التي تستطيع تحديد ما يسمّى شهود الزور».
في 6 تشرين الأول، أجّلت الحكومة بت ملف شهود الزور، ووزراء حركة «أمل» ومعهم وزراء المعارضة السابقون متضامنين يعلنون تعليق مشاركتهم في أيّ جلسة لمجلس الوزراء لا يُبحث فيها ملف شهود الزور. وفي 15 كانون الأول، وبعد أكثر من إرجاء، أرجأت الحكومة مجدداً بحث ملف شهود الزور، مع رفض رئيس الجمهورية ميشال سليمان اللجوء إلى التصويت، وفي المقابل اتهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الحكومة اللبنانية والمحكمة الدولية «بحماية شهود الزور». هكذا، شارف عام 2010 على الانتهاء وقضية «شهود الزور» لم تُبتّ، فيما السلطة القضائية في لبنان تبدو أكثر تكبيلاً عن فعل شيء في موضوع إفلاتهم من العقاب.