مع أن وزارة الزراعة طلبت الامتناع عن تشحيل الأشجار المثمرة، ما دام الطقس دافئاً، لتأخير نموّ الشجرة وتركها تنام في الشتاء، إلا أن البراعم التي تكاثرت على غصون الأشجار تنذر بكارثة مقبلة
البقاع ــ نقولا أبو رجيلي
برغم المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، وبرغم حراجة التسابق ما بين القرار الظني والتسوية السورية السعودية، غابت النقاشات السياسيّة عن مجالس مزارعي البقاع، لتترك مكانها لأحاديث أشد التصاقاً بهمومهم، أي استمرار درجات الحرارة بالارتفاع في شهري تشرين الأول والثاني، وما خلّفته شمس الأخير من أضرار لحقت بالمنتجات الزراعيّة الخريفيّة، وصولاً الى كانون الأول الجاري، حيث يبدو أن المطر محتبس حتى إشعار آخر، فيما جفّ كل شيء بانتظار موسم الشتاء الذي لا يبدو أنه يريد الحلول قريباً بيننا. لكن المصيبة الأكبر في استمرار درجات الحرارة بالارتفاع، تتمثل بتفتّح براعم بعض الأشجار المثمرة في شهر كانون الأول، خلافاً لما يحصل عادة في الطبيعة. هنا تختلف الآراء بين صاحب بستان وآخر، فبعضهم أبدى تخوّفه من التغيرات المناخيّة التي قد تنعكس سلباً على تفتّح البراعم في أوقاتها المعتادة مع بداية فصل الربيع، وآخرون قلّلوا من أهميّة ذلك. ألا أن عبارة «هالسنة لا تبشّر بالخير. الله ينجّينا من الأعظم»، تتردد هذه الأيام على ألسنة الجميع، وتتكرر مع بزوغ الشمس، بأحسن حالاتها، كل صباح، أو بعد سماع الناس أخبار الطقس غير المطمئنة في نشرات الأخبار المسائية. محمد الخطيب، وبعد تفقّده بستانه الذي أزهرت فيه الأشجار المثمرة، أوضح لـ«الأخبار»، أن براعم شجر الإجاص بدأت «تنفش» أي تنتفخ وتتضخم وتنمو، في غير أوانها، ملاحظاً أن هذا ينطبق أيضاً على بعض الأصناف المثمرة الأخرى، من بينها المشمش واللوز. كلام الخطيب يؤكده جاره في السكن وديع العسيلي، لافتاً الى أن بعض أشجار الكرز، بدأت براعمها بالبزوغ، على الرغم من عدم تعرّيها من أوراقها، التي كان من المفترض أن تتساقط في الخريف، أي في مثل هذه الفترة من كل عام.
ظهور البراعم قد يؤدي إلى تدنّي الإنتاج في الموسم المقبل
أما المزارع أحمد طعمة (65 عاماً) وهو من أهالي بلدة الروضة (قضاء البقاع الغربي) فقد قلل من أهمية ما يتردد، نافياً صحة ما يتناقله البعض في هذا السياق من تخوفات. وأوضح المزارع العتيق أن بعض الأشجار ربما تكون قد أصيبت بالعجز بسبب الجفاف، أو نتيجة لاستمرار ريّها بالمياه حتى نهاية شهر تشرين الأول، ويضيف، «هذا بطبيعة الحال، يؤدي الى انتفاخ براعمها في فصل الخريف، ولا شيء يدعو إلى القلق في الحقيقة».
من خلال جولة قامت بها «الأخبار» على بعض البساتين في سهل كفرزبد، تبيّن أن بعض أشجار التفاح لم تتساقط أوراقها التي لا تزال خضراء، نظراً إلى امتصاص جذوعها كميات إضافيّة من المياه، كما لوحظ بوضوح انتفاخ بعض البراعم في رؤوس الأغصان، كذلك الحال بالنسبة الى بعض أشجار الخوخ التي فرّخ من أغصانها «طرد جديد» أي أوراق طريّة، ساعدت الحرارة في نموّها أخيراً.
من جهته، رأى المهندس الزراعي عدنان الفوعاني أن أسباب تفتّح براعم بعض أنواع الأشجار خلافاً لدورة الطبيعة في لبنان، مرده ارتفاع درجات الحرارة لساعات عدّة خلال النهار، فالنباتات تتأثر بعوامل فيزيولوجيّة حساسة وتمرّ بعدة مراحل خلال فترات نموها على مدار السنة. كما أن تغيرات المناخ هذا العام واستمرار الطقس الدافئ طوال أشهر الخريف، ساعد في نمو هذه البراعم، التي من المفترض أن تكون بمرحلة سُبات. وعن التأثيرات السلبيّة التي قد تخلّفها هذه العوامل، لفت المهندس الزراعي الى أن ذلك، قد يؤدي الى تدني نسبة الإنتاج في الموسم المقبل. ونصح الفوعاني المزارعين بضرورة رشّ بساتينهم بالمبيدات، بهدف القضاء على البكتيريا والحشرات والفطريات، التي يمكن أن تتكاثر بسرعة بين الأغصان في فترة بياتها الشتوي.
لا يشير المهندس الزراعي الى دور عامل الري المتواصل. لكن هذا «التفصيل» ليس بسيطاً. فالامتناع عن الري والتشحيل، أي قص الغصون الزائدة، سيسهم في عدم اختلال دورة نموّ الشجر. وفي كل حال، هناك العديد من المزارعين لا يظنون أن ما يحصل كارثي. هكذا، يقول أحدهم إنه يذكر تأخر المطر أحياناً حتى شباط بدون أن يكون ذلك أمراً غريباً: «فقط يحصل الأمر بين فترة وأخرى» كما قال.