مع اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي عن المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا بدّ من عرض الخطوات الإجرائية المرتقبة والخصوصيات القانونية بما في ذلك الخيارات المطروحة أمام قاضي الإجراءات التمهيدية ورئيس المحكمة

عمر نشّابة
سيقضي المدّعي العام الدولي دانيال بلمار عطلة عيد الميلاد ورأس السنة في كندا بين 20 كانون الأول و5 كانون الثاني، بحسب ما نقلته أوساط متابعة لعمل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لاهاي. لا يحسم ذلك تأجيل صدور القرار الاتهامي الى كانون الثاني 2011 لكنه يرجّحه، إذ إن قاضي الإجراءات التمهيدية البلجيكي دانيال فرانسين سيحتاج الى مدّة قد تزيد على أسبوعين للتدقيق في مضمون الملفّات التي قال بلمار في 23 تشرين الثاني 2010، في معرض ردّه على تقرير المؤسسة الكندية للإرسال (سي بي سي) إنه سيرسلها إليه قريباً عبر إعلانه أنّ مكتبه «يسعى جاهداً ليضمن تسليم مسوّدة قرار الاتّهام في المستقبل القريب إلى قاضي الإجراءات التمهيديّة ليصدّق عليها».
إن لتحديد موعد صدور قرار الاتهام الدولي أهمية خاصّة من الناحية السياسية، أما قانونياً فالأمر يفترض أن يكون مرهوناً بقدرة مكتب بلمار، ولا سيما رئيسي فريقي التحقيق والادعاء البريطاني مايكل تايلور والأميركي داريل منديس على صياغة نصّ القرار بنحو مقنع لفرانسين. ولن يقتصر اطّلاع القاضي على مسوّدة القرار فحسب، إذ يفترض بحسب قواعد المحكمة أن يطّلع القاضي على كل الملفّ الذي يتضمّن «العناصر المؤيدة» أي الإثباتات المادية والأدلة الظرفية والمباشرة ولائحة بأسماء الشهود الذين ينوي فريق بلمار استدعاءهم إلى قوس المحكمة ليستجوبوا علناً أو خلال جلسات سرّية.
وهناك عنصر إضافي قد يكون له تأثير مباشر على تحديد موعد صدور القرار الاتهامي، هو أن القاضي فرانسين كان مطّلعاً على عملية الإعداد لصياغة القرار الاتهامي، إذ عقدت اجتماعات متتالية بينه وبين المدعي العام بلمار أو ممثلين عنه، مرة كل شهر خلال مرحلة التحقيقات المستمرّة منذ تولّي الرجلين مهماتهما الرسمية. وأعدّ فرانسين عن كلّ من تلك الاجتماعات تقارير سرّية كما تقتضي قواعد المحكمة، لكن تبقى كل المستندات والمعلومات التي يبلغها المدعي العام إلى قاضي الإجراءات التمهيدية خلال مرحلة التحقيق سرية حتى بعد صدور قرار الاتهام.
يُذكر أن من صلاحيات قاضي الإجراءات التمهيدية قبل تصديقه قرار الاتهام، الفصل في طلبات المدعي العام الرامية إلى إصدار أوامر أو دعوات إلى الحضور أو مذكرات أو أية أوامر أخرى ضرورية لسير التحقيق، لكن اللافت أن بلمار لم يتقدّم بطلبات كهذه منذ انطلاق عمل المحكمة في 1 آذار 2009، ما أثار تساؤلات عن التقدّم الذي يحرزه.
أما بخصوص احتمال اتهام أشخاص غير لبنانيين، فيجوز للمدعي العام، بحسب قواعد الاجراءات والإثبات، أن يطلب من أي دولة أو هيئة أو شخص التعاون في إطار التحقيقات والملاحقات، بما في ذلك تنظيم سير التحقيقات الميدانية، وتقديم المستندات والمعلومات، واستدعاء المشتبه فيهم والشهود واستجوابهم، وتوقيف المشتبه فيهم أو المتهمين ونقلهم، لكنّ بلمار لم يتقدّم كذلك بهذه الطلبات. ويرجّح أن يعود سبب ذلك الى رفض الدول التي كان يحتاج بلمار الى معلومات منها، التوقيع على اتفاقات تعاون مع المحكمة بعدما عرض الرئيس أنطونيو كاسيزي تلك الاتفاقات على المسؤولين فيها.
أما في ما يتعلّق بالجرائم الأخرى التي قد تدخل ضمن اختصاص المحكمة الدولية، فيفترض أن يتّخذ فرانسين كل الخطوات اللازمة لضمان الإعداد الفعّال والسريع للملفّات الجنائية الخاصة بكل من الجرائم التي وقعت بين 1 تشرين الأول 2004 (محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة) و12 كانون الأول 2005 (اغتيال النائب جبران تويني). ولهذه الغاية، يفترض أن يحيل إليه بلمار خلال إجرائه التحقيقات و«عندما يرى ذلك الوقت مناسباً»، أية مواد يراها ضرورية لممارسة مهماته.

تقديم قرار الاتهام

يفترض أن يتولّى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين مراجعة أي قرار اتهام يصدر عن بلمار وفقاً للإجراءات الآتية:
إذا اقتنع بلمار من خلال ما يتقدّم به مايكل تايلور، بوجود أدلّة كافية تظهر أن مشتبهاً فيه ارتكب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يحيل قرار الاتهام بحقّه إلى قاضي الإجراءات التمهيدية للتصديق عليه. ويتضمن قرار الاتهام اسم المشتبه فيه ومعلومات شخصية عنه وسرداً موجزاً لوقائع القضية والجريمة المنسوبة إلى المتهم. ويفترض أن يدقق قاضي الإجراءات التمهيدية في كل تهمة من التهم الواردة في قرار الاتهام وفي العناصر المؤيدة التي يقدمها إليه المدعي العام ولا يعلن عنها، ليقرر إذا كان هناك، مبدئياً، أدلة كافية لملاحقة المشتبه فيه. أما إذا قدم المدعي العام قرار اتهام يتعلق بجريمة أخرى غير جريمة اغتيال الحريري، فيرفق حينها القرار بطلب يتعلق بتلازم القضيتين، ويبيّن كيف أن الجريمة متلازمة مع جريمة اغتيال الحريري ولها طبيعة وخطورة مماثلة لطبيعتها وخطورتها، ويضم إلى هذا الطلب العناصر المؤيدة التي يراها مناسبة.
من جهة ثانية، ينظر قاضي الإجراءات التمهيدية في الطلب المتعلق بتلازم الجرائم وفي العناصر المؤيدة التي قدّمها المدعي العام، ليقرر مبدئياً ما إذا كانت الجرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة.
ويجوز ضم جريمتين أو أكثر في قرار اتهام واحد إذا كان مرتكب الجرائم المزعومة هو المتهم نفسه. كما يجوز توجيه التهم إلى الأشخاص المتهمين بالجريمة نفسها أو بجرائم مختلفة ومحاكمتهم مشتركين.
ونتيجة للتدقيق في ما وصل إليه من بلمار، أمام قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين الخيارات الآتية:
1ـــــ أن يطلب من المدعي العام أو أن يسمح له بتقديم عناصر إضافية مؤيدة لإحدى التهم أو لجميعها.
2ـــــ أن يطلب من المدعي العام أو أن يسمح له بتقديم مواد إضافية مؤيدة للطلب المتعلق بتلازم الجرائم.
3ـــــ أن يصدّق التهم.
4ـــــ أن يردّ التّهم، على أن يعلّل قراره.
بعد تصديق تهمة واحدة أو جميع التهم الواردة في قرار الاتّهام، وإذا كان قد قدم طلب بتلازم الجرائم، يمكن قاضي الإجراءات التمهيدية إصدار دعوة بالحضور أو مذكرة توقيف ويصبح المشتبه فيهم متّهمين. ويزوّد المدعي العام مكتب الدفاع بالمستندات والمعلومات ذات الأهمية بالنسبة إلى حقوق الدفاع مع مراعاة أحكام قواعد الإجراءات والإثبات التي تتيح للمدعي العام عدم إعلان مصادر بعض المعلومات التي قد تمسّ بالمصالح الأمنية لبعض الدول والمنظمات الدولية أو لأسباب تعود لتعرّض الشهود إلى الخطر.
ويُعدّ رئيس قلم المحكمة نسخاً مصدّقة من قرار الاتهام، كما أقره قاضي الإجراءات التمهيدية. وإذا كان المتهم لا يفهم اللغة التي صيغ بها قرار الاتهام، يُترجم القرار الى لغة يفهمها المتهم وتضم الترجمة الى كل نسخة مصدقة من قرار الاتهام بصفتها جزءاً منها. وبالتالي يُتوقّع أن يصدر القرار باللغتين العربية والانكليزية وربما بالفارسية اذا اتهم أشخاصٌ من التابعية الإيرانية.
وتصبح مهمات قاضي الإجراءات التمهيدية بعد انتهائه من النظر في قرار الاتهام، التحقّق من أن الإجراءات تُنفّذ بدون أي تأخير غير مبرر. ويتخذ كل التدابير اللازمة للإعداد لمحاكمة عادلة وسريعة.

علنيّة قرار الاتّهام وعدمها

يُفترض إعلان قرار الاتهام بعد تصديقه من قاضي الإجراءات التمهيدية. لكن في ظروف استثنائية، وبناءً على طلب من المدّعي العام أو الدفاع، يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية أن يأمر بعدم إعلان قرار الاتهام أو أية مستندات أو معلومات مرتبطة به على العموم إلى أن يصدر أمر آخر بذلك. وتجيز القواعد للمدعي العام إعلان قرار الاتهام أو جزء منه لسلطات دولة معيّنة إذا رأى في ذلك ضرورة لغرض التحقيق أو الملاحقة.
إذا لم تكن هناك ظروف استثنائية تسمح بعدم إعلان قرار الاتهام يُسلّم هذا القرار رسمياً الى سلطات الدولة التي يقيم المتهم فيها أو التي كانت آخر مكان معروف لإقامته، أو الدولة التي يعتقد أن من الممكن أن يكون موجوداً فيها، من أجل تبليغ المتهم قرار الاتهام من دون تأخير. ويكون ذلك بتسليمه شخصياً نسخة عن القرار ويبلغ الدعوى إلى الحضور أو مذكرة التوقيف بحقّه (وبحقّها).
على لبنان وحده (إذ لم توافق أي دولة أخرى على التعاون مع المحكمة حتى اليوم) أن يحيط الرئيس أنطونيو كاسيزي علماً بالتدابير المتخذة لتنفيذ الإجراءات المذكورة آنفاً في غضون مهلة لا تتجاوز 30 يوماً عقب تبليغ قرار الاتهام أو الدعوة إلى الحضور أو مذكرة التوقيف.
وعندما تتعلق الدعوة إلى الحضور أو مذكرة التوقيف أو أمر النقل بشخص يقيم في دولة أو يخضع لسلطة دولة لم توافق حتى اليوم على التعاون مع المحكمة، يرسل رئيس قلم المحكمة هيرمان فون هابيل بعد التشاور مع الرئيس، طلباً للتعاون إلى السلطات المختصة في تلك الدولة من أجل تبليغ الدعوى إلى الحضور أو مذكرة التوقيف من دون تأخير.
وفي الحالات التي يثبت فيها فشل محاولات تبليغ قرار الاتهام أو الدعوة إلى الحضور أو مذكرة التوقيف إلى المتهم، يقرر الرئيس كاسيزي، بعد التشاور مع القاضي فرانسين التبليغ عن طريق الإعلان العام.
ويجري الإعلان العام وفقاً للإجراءات الآتية: يرسل هيرمان فون هابيل نص القرار الاتهامي المصدّق إلى السلطات في أي دولة من الدول المعنية أو أي هيئة معنية لنشره في الصحف أو لبثّه من الراديو والتلفزيون أو وسائل الإعلام الأخرى، بما فيها شبكة الإنترنت. ويدعى المتهم من خلال الإعلان العام إلى تسليم نفسه للمحكمة، ويدعو الإعلان كذلك كل من يملك معلومات عن مكان وجود المتّهم إلى إطلاع المحكمة عليها.

على لبنان أن يحيط كاسيزي علماً بالتدابير المتّخذة لتنفيذ إجراءات تبليغ المتّهمين خلال مهلة لا تتجاوز 30 يوماً

عقدت اجتماعات مرّة كل شهر بين فرانسين وبلمار خلال مرحلة التحقيقات

يُصدر قاضي الإجراءات التمهيديّة دعوة حضور أو مذكرة توقيف ويتحوّل المشتبه فيه إلى متّهم

يجوز ضمّ جريمتين أو أكثر في قرار اتّهام واحد إذا كان مرتكب الجرائم هو المتّهم نفسه


أما بخصوص تبليغ المستندات القضائية، فإن كل طلب أو أمر أو مستند صادر عن القاضي فرانسين أو عن الغرفة، وموجّه إلى دولة يجب أن يبلغه هيرمان فون هابيل إلى الممثلين الدبلوماسيين لهذه الدولة لدى هولندا ويجب الإعلان عن هذا التبليغ.

تعديل قرار الاتّهام والرجوع عنه

إن ردّ القاضي فرانسين أي تهمة من التهم الواردة في قرار الاتهام لا يمنع المدعي العام من أن يودع بعد ذلك اتهاماً معدّلاً، أو أن يُدرج التهمة نفسها في قرار اتهام لاحق، على أن يتضمّن هذا القرار عناصر مؤيدة جديدة وأن يطلب تصديق قرار الاتهام المعدّل أو اللاحق.
وتجيز القواعد للمدّعي العام تعديل قرار الاتهام في أي وقت قبل تصديقه، من دون إذن، أو بإذن من قاضي الإجراءات التمهيدية، خلال الفترة الممتدة بين تصديق قرار الاتهام الى حين وضع غرفة الدرجة الأولى يدها على القضية، وبعد وضع غرفة الدرجة الأولى يدها على القضية، بإذن من هذه الغرفة. ولا يجب تصديق فرانسين مجدداً على قرار الاتهام الذي أذن بتعديله.
لكن لا يُمنح الإذن بتعديل قرار الاتهام اذا لم يقتنع قاضي الإجراءات التمهيدية أو غرفة الدرجة الأولى بوجود أدلة أولية مؤيدة للتعديل المقترح.
وإذا تضمّن القرار المعدّل تُهماً جديدة وكان قد سبق للمتّهم أن مَثُل أمام غرفة الدرجة الأولى، يفترض أن يعود المتّهم ويمثل أمام هذه الغرفة في أقرب وقت ممكن لتمكينه من الإجابة على التّهم الجديدة. ويستفيد المتهم من مهلة إضافية قدرها واحد وعشرون يوماً لإيداع دفوع أولية تتعلق بالتّهم الجديدة، ويجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية أو لغرفة الدرجة الأولى، إذا ما اقتضت الضرورة، إرجاء المحاكمة لإتاحة الوقت اللازم لإعداد الدفاع.
وتجيز القواعد لبلمار الرجوع عن قرار اتّهام أو عن تهم محدّدة يتضمّنها قرار الاتهام في أي وقت قبل تصديقه، من دون إذن، أو خلال المهلة الممتدة من تاريخ تصديق قرار الاتهام ووضع غرفة الدرجة الأولى يدها على الدعوى، متى بيّن لقاضي الإجراءات التمهيدية في جلسة علنية الأسباب المبرّرة للرجوع، وبعد وضع غرفة الدرجة الأولى يدها على الدعوى بموجب طلب مقدّم لديها.


ماذا لو أخطأ دانيال بلمار؟

إذا تبيّن لقاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين أو لسائر قضاة المحكمة الخاصة بلبنان أنّ تصرّف المدّعي العام الدولي دانيال بلمار وموظفيه مهين أو تعسفي أو يعرقل حسن سير الإجراءات، أو أنه مهملٌ أو عاجزٌ عن احترام المعايير المقبولة للكفاءة المهنية و/أو أخلاقيات المهنة، يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية، بعد منح المدعي العام وفريقه فرصة لسماع أقوالهم، توجيه تنبيه رسمي إليه، أو تأجيل جلسة المحاكمة أو منع المدعي العام من حضورها. ويحق للقاضي كذلك اعتبار أن المدعي العام أو أحد موظفي مكتب المدعي العام لم يعد يتمتع بالشروط المطلوبة للمثول أمام المحكمة، وبالتالي منعهم من المشاركة في أيٍّ من الإجراءات القضائية.