تلغَى بعض نتائج مباريات الدخول إلى الوظائف العامة في لبنان فجأة. هذه اللعبة تكاد تصبح عادية. أما الأسباب، «فمجهولة» معلومة. ذلك أنّ عدداً ممن خاضوا التجربة، وذهب تعبهم سدىً، توجّهوا الى المعنيين بالسؤال التالي الذي يحمل في طياته إجابة: إلى متى سنبقى رهينة الحسابات السياسيّة والتوازنات الطائفيّة؟
نقولا أبو رجيلي
هل أصبح خبر إلغاء نتائج مباريات الدخول الى الوظائف العامة لأسباب «غامضة»، أمراً عادياً الى هذه الدرجة؟ هكذا، تلغَى الدورات فجأةً وبلا شروح. أمّا السبب، فذرائع تعلَن بعد انتهاء المباريات، يندرج معظمها في باب «الشوائب». تتسرب «أخبار» هذه «الشوائب» إلى العلن بطريقة غير مباشرة، لكنها لا تبدو مقنعة للكثيرين من ضحايا «الإلغاء التعسفي». أحياناً، تسري شائعات عن «فوضى حدثت أثناء إجراء الامتحانات». وأحياناً أخرى، «تتسرب الأسئلة التي من المفترض أن تكون سريّة إلى المتبارين»، إضافةً إلى «عدم قدرة الإدارة على استيعاب آلاف المرشحين، وغيرها من المبررات». لكن، ثمة ما يبقى أهم من تلك «الترجيحات» دائماً، وخصوصاً، أنه يبقى طي الكتمان. ويتلخّص الموضوع في انعدام التوازن الطائفي، أو ما يعرف بـ«ستة وستة مكرر». وفي كثير من الأحيان، تضيع جهود المتبارين في تجميع عشرات الأوراق، التي يجب على كل طالب وظيفة في الإدارات العامة الاستحصال عليها.
ميشال (35 عاماً)، الذي يحمل إجازة في العلوم السياسيّة، كان من بين المرشحين الذين خضعوا للاختبار في الدورة الأخيرة في وزارة العدل، علق على إلغاء المباراة آسفاً. لم يفهم لماذا بقيت أسباب إلغاء النتائج مبهمة، ولم يصدر عن وزارة العدل تعميم رسمي بهذا الخصوص. انتظر ميشال صدور النتيجة طوال المدة (عامين). وكان تتردّد شائعات لميشال، وبعض المنتظرين الآخرين، عن ألسنة بعض الموظفين، تشير إلى أن المباراة تعاني بعض الشوائب. لم يأخذ ميشال بالشائعات في بداية الأمر، وحافظ على الأمل، لكن «بدأت الشائعات تُتداول بحدة في العلن»، أما عن الخفايا، فيقول ميشال: «الله أعلم». على أية حال، الوظيفة ليست عظيمة، لكن «شو جبرك على المرّ الا الأمرَ منه»، يقول الشاب الثلاثيني. رغم تردّده في تكرار التجربة، قرر التقدّم الى هذه الوظيفة مجدداً، بعدما استحصل على جميع المستندات المطلوبة، وأرسلها الى مرجعها عبر شركة ليبان بوست، موضحاً أن المصاريف التي كان قد تكبدها في المرة السابقة تجاوزت 100 الف ليرة لبنانية، توزعت بين بدلات طوابع أميريّة، و«مبالغ ماليّة دفعتها للسماسرة في الإدارات، مقابل الحصول على المستندات الرسميّة، وما الى هنالك من أجور تنقّل بين البقاع وبيروت». ضاع كل شيء. ما يأسف عليه، هو أنه طلب «إجازة أسبوعين بدون راتب من الشركة الخاصة التي يعمل فيها، وذلك للاستعداد جيداً للمباراة».
علم ميشال لاحقاً أنه حصل على درجة جيّدة في نتائجها «من أحد الموظفين، الذي اطّلع على جدول العلامات»، ميشال الذي تضاعفت مسؤولياته بعد زواجه قبل أربعة شهور، توجّه الى المعنيين بعدة أسئلة: «هل هذه الأمور تحصل في دول أخرى؟ ومن يعوّض على المواطن المصاريف التي يتكبدها والأوقات التي يهدرها؟ وهل سيبقى المواطن أسير الحسابات السياسيّة والتوازنات الطائفيّة؟».
من يعوّض على المواطن المصاريف التي يتكبدها والأوقات التي يهدرها؟
وزارة العدل، تملك رأياً آخر. فبعد التصريح «الغامض» لوزير العدل، الذي أقر فيه بوجود «الشوائب»، لفت مصدر مطّلع في الوزارة، إلى أن هذه المشاكل تلخّصت في تقرير مفصّل «قدمه التفتيش المركزي إلى وزارة العدل، تحدث فيه عن تسريب للأسئلة». ووفقاً للمصدر فإن الأسئلة التي تسربت طُرحت في البازار وبيعت للمتبارين، ما دفع وزير العدل إلى مناقشة الموضوع خلال جلسة لمجلس الوزراء، الذي بدوره «أقر إلغاء نتائج المباراة بالإجماع بناءً على تقريري التفتيش المركزي والتفتيش القضائي». ونفى المصدر أن يكون للتوازن الطائفي أي علاقة في مباراة الوزارة، وخصوصاً «بعد تعيين 5 قضاة مسيحيين من أصل 23 في دورة القضاة الأخيرة».
ميشال ليس الضحية الوحيدة لإلغاء النتائج المفاجئ. ويؤكد عدد من الذين التقتهم «الأخبار»، أن وزارة العدل ليست الوحيدة في هذا السياق، فمعظم الإدارات الرسميّة، والمؤسسات الأمنية والعسكرية، كانت قد لجأت الى مثل هذه الخيارات في أوقات سابقة. هشام (31 عاماً) الذي يحمل شهادة البكالوريا المهنيّة، ويعمل حالياً في إحدى الشركات براتب شهري لا يتعدى الحد الأدنى للأجور، كان قد تقدّم قبل 5 سنوات الى وظيفة في مؤسسة أمنية، خلال دورة للرتباء، وذلك تبعاً للمثل الشائع بحسب قوله «إذ سدّت في وجهك سبل العيش ما الك إلا الدرك أو الجيش». رضي هشام بالمر، لكن المر لم يرض به. فبعد انتظاره شهوراً على صدور النتائج، ألغيت الدورة في حينها «لأسباب مجهولة». أما محمد (25 عاماً) الذي يقضي حالياً إجازة قصيرة في لبنان، من عمله في إحدى دول الخليج، فيقول إنه اتخذ هذا القرار، بعدما سئم الوعود بتثبيته في مؤسسة قوى الأمن الداخلي، التي ما زال ينتظر فيها آلاف المتعاقدين قراراً مماثلاً (التثبيت)، لكن الأزمة السياسية في البلاد، وانعكاسها على قوى الأمن الداخلي، ما زالا يمنعان مجلس القيادة في المؤسسة الأمنية الأولى من الانعقاد، للبحث في شؤون هؤلاء المتعاقدين.
أسباب الإلغاء أكثر وضوحاً من غيرها في مسألة قوى الأمن. لكن، في الحديث عن إلغاء نتائج مباريات الكفاءة المبهم، في أي إدارة، أكد المحامي نزار صاغيّة، أن هذا الإلغاء مخالف لمبدأ ضمان الحقوق المكتسبة للناجحين من بين هؤلاء، إذ من المفترض أن يستند القرار إلى مبررات تعمّم على الرأي العام، على أن تُذكر الظروف التي حالت دون إعلان النتائج، لافتاً إلى أن مثل هذه الأمور لا تحصل في الدول التي تُحترم فيها القوانين المرعيّة الإجراء، للدخول إلى وظائف الإدارات العامة.