عين الرمانة مجدداً. لا إطلاق نار هذه المرة. لا إشكالات على خلفية طائفية. لا شيء من هذا القبيل. هذه المرة أخذت الكارثة شكلاً مختلفاً. هكذا، تولت النيران دور القذائف، ليل أول من أمس، والتهمت مبنى، و«كحّلت» المباني القريبة. سكان المبنى (أو ما بقي منه) ما زالوا تحت وطأة ذهول الساعات الأولى، ينتظرون انتهاء تلاشي الدخان لمسح غبار الكارثة، واكتشاف حقيقة «التعويضات المفترضة». والأهم من ذلك: خطر «الديوكسين»
أحمد محسن
حدث الحريق كما في الأفلام السينمائية. تحولت عين الرمانة إلى شاشة واقع عملاقة، أول من أمس. لم تتشابك الأحداث، بل تسارعت بوتيرة متناسقة، وتركزت في مبنى واحد، يلاصق سيلاً من المباني المشابهة. المشهد الأول، في الطبقة الأولى. دهمت النار فتاةً جامعية كانت تدرس فصول السنة الأولى. باغتت النيران الشرفة والنوافذ. تركت الفتاة الدفاتر، والسرير، والأشياء المبعثرة، وهرعت حافيةً إلى صدر المنزل. نزلت العائلة إلى الأرض. ولو كانت الأشياء قادرة على الحركة لهربت هي الأخرى، فالنار ناطحت السماء. واسودت الأخيرة. كان صراخ الفتاة قوياً، يسهل تمييزه في ضجيج الذاهلين الآخرين. تآكلت فصول الدراسة. من تلك اللحظة وصاعداً، صارت العائلة بلا منزل. وفي الطبقة الرابعة، اشتمّ ساكن الطبقة، إيلي طنوس، رائحة الحريق من محله القريب. سمع صوتاً يشبه تكسر الجدران ووقوعها. لم يكن الصوت إلا حصيلة الانفجارات داخل المستودع التابع لشركة «إنتر كام»، في المبنى المقابل لمدرسة الحكمة في عين الرمانة. هرع الرجل إلى المبنى كالمجنون. اشتقّ طريقاً له، بين الهاربين الآخرين، ليحضر أولاده المحاصرين. أخرجهم بشق النفس. وبدت النار «برتقالية من الطبقة السادسة». يقول الشاب الذي«رأى جهنم». لم تكن النار على مسافة موازية لناظره. كانت في ارتفاع رهيب. كأنها تسابق العين في اصطياد السحاب. تسارع كل شيء فجأة. المواد في المستودع متفجرة وليست مشتعلة وحسب. الشاب يعلم ذلك، وفهم الموضوع سريعاً. وبالطبع، هرع هو الآخر، مع عائلته، إلى خارج المبنى. راقب النار تلتهم الطبقات واحدة تلو الأخرى. يشرد أثناء تذكره الساعات الأخيرة أول من أمس. يضيع دخان سيجارته في دخان الصباح الباقي، وتضيع عيناه الدامعتين في بقايا غرفته. سمحوا له، ولعائلته، أول من أمس، بالصعود إلى المبنى لإحضار ما يمكن إحضاره، لأن العيش مع الدخان السام مستحيل. دخل غرفته لدقائق معدودة، ليحضر سروالاً، وتذكاراً قديماً، قبل أن يعود لمشاهدة منزله يحترق. وحدهم، رجال الدفاع المدني، دخلوا لإسعاف الذين أصيبوا بحالات إغماء فورية، نتيجة كثافة الدخان المنبعث، الذي سهلت رؤيته من معظم المناطق في بيروت الإدارية. لكن وفقاً لأحد الجيران «تأخر الدفاع المدني، ووصل الدفاع المدني من طريق الجديدة قبل الدفاع المدني من عين الرمانة». لا ينسى أن يثني على جهودهم، لكنهم«تأخروا قليلاً». تأخر الجميع في الواقع. وفي المساء، تقاطرت«الدولة» لمعاينة الخسائر. وبعد إنهاء الكشف الأولي، أكد وزير البيئة، محمد رحال، أنه سيعيد «النظر» بالترخيص المعطى للمستودع المسبب، إن وُجد. وكانت المناسبة فرصة «ثمينة» للوزير لإعلان نيته إعادة النظر بطبيعة الرخص المعطاة لعدد من المستودعات المنتشرة بين المباني السكنية. أما عن النفايات والرواسب، فأشار رحال إلى أن الوزارة ستنقلها إلى خارج لبنان، لمعالجتها، وطبعاً «على نفقة صاحب المستودع». أما معالجة المصابين، فستكون «على نفقة وزارة الصحة ويعود إلى صاحب المستودع التعويض عن المتضررين». ولم يكتف الوزير بهذا الكم الهائل من التصريحات، إذ إنه بعد دعوته إلى «تكسير يدين» مانح الرخصة، ذكر أن «الأضرار حصلت». وتالياً، بات من واجبه الآن وضع اليد «على كل هذه المستودعات في كل المدن اللبنانية وتنظيمها». في أي حال، تنظيم الإسعافات، عاش ارتباكاً هو الآخر. بعض المسعفين بقي يعمل حتى ساعات متأخرة عصر أمس، كما نقل بعضهم إلى المستشفيات، نتيجة تدني مستوى الأوكسيجين. احمرّت عيونهم واسودّت وجوهم من شدة التعب. اشتعلوا هم أيضاً. لكن وفقاً لما يعلنه المسعفون والإطفائيون، وحتى المسؤولون في الدفاع المدني، فإن أسباب الحريق مجهولة تماماً، ورجّح بعضهم أن تكون قد بدأت في محل قريب من المستودع، وانتقلت إليه، وحدث ما حدث. في المحصّلة، الجميع مهتمون بإحصاء الخسائر.

أين كانت الدولة؟

وحده، صاحب المستودع، وليم ك. لم يأخذ ويعطي كثيراً. زار المكان لنصف ساعة، صباح أمس، وحاول تهدئة الأهالي الغاضبين، واعداً أن التأمين «سيتكفل بتعويض كل شيء». لكن، هل يعوّض التأمين صور أطفالهم؟ وهل يعوّض موت ذاكرتهم في الحريق؟ من يعيد إليهم لحظات الفرح المخبأة تحت تلك السقوف المحترقة؟ الأهالي غاضبون، وغير راضين نهائياً، لأنهم اشتكوا من المستودع أكثر من مرّة، وعلى مدى أكثر من أربع سنوات. بعضهم غير قادر على الاستئجار في مكان آخر. والأهم من ذلك، على الصعيد المادي، أن حسابات التأمين، قد لا تأخذ في الاعتبار الارتفاع الجنوني الحاصل في أسعار العقارات. ومع اشتداد الظهيرة، أمس، تقلص عدد الفضوليين. خلت الساحة لأصحاب الكارثة. للمفجوعين في بيوتهم، وجيران الحريق، الذين نالوا نصيبهم من الجحيم. الشارع على حاله. الأسود هو السيد. يتأبط الجدران القريبة من المبنى ويمتص الوجوه الشاحبة. بدأ الجيش يصبح أكثر تساهلاً مع المارة. نامت الحواجز الحديدية التي ثبتها مساء أول من أمس على الأرض؛ فقد تقلص عدد الفضوليين. الأطفال والدخان في سباق مع الوقت. يتزاحمان في ابتلاع أحدهم للآخر. المتفرجون يحصون الخسائر. امرأة تكاد تختنق، وتشرح لكل العابرين مأساة منزلها. عاشت هناك «منذ أيام الحرب». لم تخرجها الحرب منه، واليوم، تخرج تحت وطأة النيران. تتحسر على صور الآباء والأبناء التي ذابت إلى الأبد. ينعكس «النيجاتيف» في وجهها، إذ تسرد بعض الصور العالقة في رأسها. لا يهمها سوى الصور التي كانت تسعف ذاكرتها. ماتت الذاكرة الآن. وعلى مسافة أمتار قليلة، إلى جانب مركز لحزب «القوات اللبنانية» في المنطقة، يحاول أحد الرجال القاطنين في مبنى مجاور شرح الفاجعة للصحافيين. منزله، القديم هو الآخر، لم يحترق تماماً، لكن النار لامست أطرافه. دخلته عملياً، فالأثاث لم يعد صالحاً. الحيطان اسودت. ولحظات الخوف، واقتراب الاختناق إلى الرئتين، كان أشد قسوة، من كل المشاهد المادية الباقية. ثمة مشاهد معنوية أيضاً. يفرك الرجل رئتيه ويشد عليهما بعنف في محاولة منه لوصف الكارثة. «القصة ليست قصة أثاث وحيطان، الحمد لله لم يتأذّ أحد، لكن أين كان إخوات...؟»، يسكت قليلاً. ثم يعاود نوبة الغضب ويسأل السؤال التقليدي: «أين الدولة؟». الرجل متفائل بزيارة وزير البيئة، لكنها ليست كافية. سمع حديثاً مفاده أن التعويضات قد لا تشمله، فهو في مبنى مجاور، وقصص التأمين معقدة، كذلك إن الكشف والمعاينة قد لا يشملانه، إذا جريا على الطريقة اللبنانية.

«الشفاط السحري»

وعلى صعيد التعويضات، يبدو أن «الطاسة» ضائعة بين المعنيين في موضوع التعويضات؛ إذ لفت رئيس بلدية فرن الشباك، ريمون سعادة، في حديث مع «الأخبار»، أن بلدية فرن الشباك تناشد «الهيئة العليا للإغاثة التدخل فوراً والتعويض على المتضررين». ويستفيض سعادة، محاولاً «لبننة» الموضوع، فيعقب متذمراً: «أصيب اللبنانيون بكوارث أقل حجماً وتأثيراً، وتحركت الهيئة العليا للإغاثة، فلماذا لا تتحرك الآن؟». أما الإجابة، فجاءت قبل السؤال بساعات. وزير البيئة، أعلن صباحاً، خلال زيارته التفقدية، أن صاحب المبنى ملزم بالتعويض قبل غيره على الجميع. ووفقاً لما يقوله الأهالي، هؤلاء مصرون على رفع دعوة قضائية على صاحب المبنى. بالنسبة إليهم، القصة تتجاوز الماديات. «كان ممكناً أن يموت أطفالنا»، يقول إيلي طنوس، أحد السكان، الذي يملك محلاً تجارياً في مبنى محاذٍ للمبنى المحترق. يشير إلى دخان ما زال يتصاعد من أسفل المحل، ويطلب الدخول إلى المحل. لا معالم للحريق في الداخل، بيد أن الداخل يشعر بلهيب بديهي. النار تتصاعد من بعض الفتحات في الأسفل، لتعلن أن الأمور لم تحل بعد. يؤكد طنوس أن أهالي المبنى أشاروا في أكثر من مناسبة، إلى أن هذه المواد الموضوعة في ذلك المستودع المشؤوم تسرب الكثير من الروائح الكريهة والمؤذية. وقّعوا عريضةً منذ 4 سنوات، وأخذوها إلى البلدية. وهنا، يلفت سعادة، إلى أن سجل الشكاوى في البلدية، منذ عام 2004، خال من أية اعتراضات بنيوية وجدية. الأهالي لا يوافقونه في التفاصيل، لكنهم يزيحون المسؤولية عنه؛ لأنه في ذلك الوقت «أعد كتاباً وأرسله إلى الجهات الحكومية المعنية، التي أرسلت بدورها لجنة لكشف الأضرار». ويتابع طنوس غاضباً: «اللجنة كاذبة». يفرد الرجل يديه متظللاً السماء، ومنتظراً «تقريش» الوعود بالتعويض. يشرح أن المبنى عينه تعرض للكشف فعلاً من اللجنة قبل سنوات، وجاء في تقرير اللجنة أن المواد «غير خطرة»، وأن ضبط الروائح يكون بوضع «شفاط» على السطح. وفعلاً، ركب «الشفاط» السحري على السطح حينها، وحدث ما لم يكن في الحسبان. في المقابل، يركز سعادة على وجود المستودع من أساسه. برأيه، المستودع يجب ألا يكون موجوداً بالأصل.
والحديث عن رخصة هنا أو هناك، تمنحها البلدية، أمر يثير السخرية بالنسبة إليه «فمنذ انتهاء الحرب الأهلية، لم يعد أحد يسأل البلدية عن رخصة». تؤجر المحال والمؤسسات والمستودعات من دون العودة إلى البلدية. حتى في الآليات الطبيعية لسير أمور كهذا، فدور البلدية استشاري في أفضل الأحوال، والكلام لسعادة، الذي يلفت إلى أن الرخص تتفاوت بين درجة أولى وثانية وثالثة، مكذباً صاحب المستودع الذي أكد أن مستودعه حائز رخصة رسمية، ومطالباً «ببهدلته وطرده»، وخصوصاً أنه ليس من أهل المنطقة ولا من سكانها. الحقائق مخيفة: «90% من المحال والمستودعات بلا رخص من البلدية أو من الجهات الرسمية، ليس في فرن الشباك وحسب، بل في كل المناطق اللبنانية»، يختم سعادة. الحقيقة مخيفة لكنها ليست خفية. معظم سكان الحي كانوا يعلمون بالأمر، ولم يكن باستطاعتهم أكثر من العريضة التي وقعوها. حاولوا الوصول إلى نتيجة، لكن الدولة لا تتحرك إلا بعد المصائب. هكذا يردد معظمهم أضف إلى ذلك، أن تحركات الدولة، ليست مقنعة، لكنها «أفضل من لا شيء».

«تشرنوبيل» لبناني

يمكن القول إن تحرك المعنيين لاقى أصداءً شبه إيجابية من الأهالي. صحيح أن ذلك لم يبدّد غضبهم مما وصفوه بالإهمال المتعاقب، لكنهم يأملون «مشاركتهم في الكارثة». والكارثة الكبرى، التي يخشى تفاقمها، تتلخص في الجانب البيئي، وهو الأمر الذي يفسر حضور وزير البيئة قبل أي زميل له في الحكومة إلى مكان الحادثة.

المبنى تعرض للكشف قبل سنوات، وجاء في تقرير اللجنة أن المواد «غير خطرة»

90% من المحالّ والمستودعات بلا رخص من البلدية أو من الجهات الرسمية

اللافت أن هذه الكارثة هي الثانية من نوعها في لبنان، بعد احتراق باخرة الكبريت في الشمال، قبل ثلاثة أشهر. المتابعون البيئيون بدأوا يلمسون خطراً رهيباً نتيجة الاستخفاف المتعاقب من المؤسسات الصناعية بالشؤون البيئية. في هذا الإطار، لفت الخبير البيئي وائل حميدان، في حديث مع «الأخبار» إلى أن المواد التي التهمتها الحرائق في عين الرمانة تحتوي على جميع المقومات لتصنيفها مواد سامة، من مواد بلاستيكية وطبية وكيميائية متنوعة. وفي معرض وصفه للأضرار الناتجة من الحريق، لفت حميدان إلى أن هذه الحرائق تنتج أضراراً مطابقة لتلك الناتجة من إحراق النفايات، وهنا خطورة الموضوع؛ إذ إن هذه المواد سامة جداً، ويجب ألا تكون على مسافة قريبة من الكائنات الحية. لكن عين الرمانة منطقة شعبية تكتظ بالسكان. هكذا، يتخوف حميدان من مادة «الديوكسين» التي تنبعث عادةً من الحرائق المشابهة، والتي تصنف ضمن «أخطر المواد السامة في الوجود على الإطلاق». يشير حميدان إلى أن الديوكسين هي أخطر مادة يمكن أن ينتجها البشر، أي يتخطّى تأثيرها الإشعاعات النووية على المدى البعيد، فقد يسبب بقاؤها بعدد من الأمراض السرطانية في الرحم والكلى، وفي أعضاء أخرى؛ لأن تأثير هذه المادة السلبي هرموني بالدرجة الأولى. وآثارها قد تظهر في المدى البعيد، لا في المدى المنظور.
وفي سياق منفصل، في محاولة منه للإضاءة على خطورة الموضوع، يذكر الخبير البيئي أن اتفاقية استوكهولم نصّت على ضرورة إلغاء هذه المادة من الوجود، مشيراً إلى أن لبنان وقّع الاتفاقية. وبالنسبة إلى الحلول الآنية الواجب فعلها، على الصعيد البيئي، شدد حميدان على الناس الابتعاد عن الحريق أكبر مسافة ممكنة، وعن الدخان المنبعث من احتراق هذه المواد.
الحديث عن حلول بيئية جذرية في منطقة مكتظة بالسكان غير ممكن حالياً؛ لأنه يتطلب دراسة ميدانية جدية، تأخذ في الاعتبار خطورة المواد المنبعثة من جهة، والوضع الديموغرافي القائم، الذي يضع السكان في مهبّ هذه المواد. بالدرجة الأولى، يجب إبعاد الأطفال عن مكان الحدث، واستخدام الكمامات، تمهيداً لوصول خبراء مختصون، يشرفون على عملية مسح آثار الدخان، حتى من داخل غرف المنازل المتضررة؛ لأن المادة السامة تعلق في الدخان. في هذا السياق، يجب على وزارتي البيئة والصحة، وفقاً لحميدان، الاستمرار بأداء «الدور التوجيهي المناسب وإطلاق التحذيرات من الاقتراب من المادة قبل إزالتها نهائياً». على الناس تحمل مشقة الابتعاد حالياً. كثافة المادة في الهواء تضاهي كثافة الهواء المتجه غرباً باتجاه العاصمة. وحتى ذلك الوقت، فليتدبر السكان أمورهم. لجنة البناية (المحترقة) اجتمعت حتى وقت متأخر من مساء أمس، لتختم المشاهد. اجتمعوا في انتظار التحرك الرسمي الواقعي، بعيداً عن التصريحات والإطلالات الإعلامية، لأنهم لن يفترشوا السماء بعد احتراق سقوف منازلهم. وحتى ذلك الوقت، لهم الله.


الشكوى القضائية لم تنضج بعد



رضوان مرتضى
أعلن سكّان المبنى الذي شبّ فيه حريقُ أول من أمس، في منطقة عين الرمانة، أنهم سيتقدّمون بشكوى جزائية أمام المحاكم المختصّة. السكّان الذين بات بعضهم في العراء أمس، بعد الحريق، ذكروا لـ«الأخبار» أنهم يُعدّون لشكوى جماعية بحق مالك المستودع وليم ك. فضلاً عن شكوى منفردة سيتقدّم بها العقيد المتقاعد إبراهيم الحاج ليطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحق بمستودع الملابس خاصته، مشيراً إلى أن خسارته تفوق نصف مليون دولار. السكّان المتضررون شدّدوا على أنهم رغم التعويض المادي عن الضرر اللاحق بهم الذي سيحصلون عليه بعدما يتكفّل به مالك المستودع وشركة التأمين، فإنهم لن يتراجعوا عن شكواهم التي يُحتمل أن تطال البلدية أيضاً. وذكر رئيس لجنة المبنى المتضرر، روجيه سمعان، أنهم كلّفوا محامياً للتقدّم بشكوى جزائية ضد مالك المستودع. وأشار رئيس اللجنة المذكور إلى أن المحامي ينتظر تقرير الخبراء الذين سيجرون كشفاً كاملاً على المبنى لتحديد حجم الأضرار، لافتاً إلى أن نصّ الدعوى لم يُصغ بعد، لكنه سيقرر وفقاً لتقرير الخبراء وتعهّدات وليم ك. بالتكفّل بدفع تعويض شامل عن الأضرار التي لحقت بهم. من جهته، ذكر المحامي ميشال فغالي لـ«الأخبار» أنه ليس من مصلحته التسرّع في الشكوى قبل تكوين الاقتناعات كاملة باعتبار أن حقوق المتضررين لن تسقط بمرور الزمن. ولفت المحامي إلى أنه ينتظر تقارير يُفترض أن تصدر عن جهات مختلفة، كلجنة الخبراء التي ستكشف على المبنى، إضافة إلى تقرير بيئي وآخر سيُصدره الدفاع المدني. لذلك، رأى المحامي ميشال فغالي أن التروّي في الحالة الراهنة أفضل الخيارات، بانتظار تكوين «الاقتناع القانوني».
من جهة ثانية، تحدّث أهالي المنطقة عن أكثر من «عريضة» سبق أن تقدّموا بها خلال السنتين الماضيتين، طالبوا فيها بلدية فرن الشبّاك بالتحرّك لإقفال المستودع، لأنه يحوي مواد ذات رائحة كريهة، ويُحتمل أن تكون سريعة الاشتعال، لكنهم لم يحصلوا على الانتباه الكامل، ما خلا قرار البلدية إرسال لجنة للكشف على المستودع خلصت إلى أن المواد غير مؤذية صحياً، ومن المستحيل أن تشتعل. وذكر هؤلاء أن أقصى ما قامت به البلدية هو أنها اكتفت بتركيب جهاز لشفط الهواء والرائحة ونقلهما إلى أعلى سطح المبنى الذي يحوي المستودع. لذلك، يرى عدد من الأهالي المتضررين أنّ تلكّؤ البلدية وسوء تقديرها يوجبان الشكوى القضائية عليها هي الأخرى، فضلاً عن أن «إهمالها لشكوى المواطنين المتضررين المتكررة يجعلها مسؤولة عمّا حصل من كارثة كادت تطيح أرواح العديدين لو أنها وقعت صباحاً».
في المقابل، على الصعيد القضائي أيضاً، تستغرب المصادر البلدية الافتراء الذي يساق بحقّها. ويؤكدّ مسؤول رفيع فيها لـ«الأخبار» أن هناك سجل شكوى في بلدية فرن الشبّاك، لكنه يلفت إلى أنه لا شكوى مسجّلة فيه من هذا القبيل منذ أكثر من ثماني سنوات. ورأى أن هذا السجل هو المرجع القانوني للأمور المشابهة. ويلفت رئيس البلدية، ريمون سمعان، الموجود في منصبه منذ أكثر من عشر سنوات، إلى أن المستودع لا يمكن أن يكون مرخّصاً من الناحية القانونية، لأنه ممنوعٌ أن تعطى هذه الورش رخص عمل ضمن نطاق المناطق السكنية. كذلك كشف سمعان أن البلدية في صدد بدء كشف عام على المستودعات للسؤال عن ترخيصها، إضافة إلى الوقوف على طبيعة المواد التي تُطبخ في داخلها، تمهيداً لملاحقة المخالفين قضائياً.