ألقى عناصر من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي القبض أمس على الشيخ عمر بكري فستق في منطقة أبي سمرا بطرابلس، بعدما أطلقوا النار على إطارات سيارته. وكان قد صدر حكم عن المحكمة العسكرية في حق بكري يوم الجمعة الماضي
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
وضع إلقاء عناصر من فرع المعلومات القبض يوم أمس على الداعية الإسلامي الشيخ عمر بكري فستق (50 عاماً)، في منزله في طرابلس، حدّاً للغط الإعلامي الذي أثاره الرجل طوال الساعات الـ48 التي تلت إصدار المحكمة العسكرية حكمها عليه. فيوم الجمعة الماضي، حكمت المحكمة على بكري بالسجن المؤبد، وذلك بعد اتهامه بالانتماء إلى تنظيمات أصولية، والاعتداء على الجيش اللبناني، وتدريب عناصر أصوليين متشددين على استخدام السلاح.
كانت المحكمة العسكرية برئاسة العميد نزار خليل قد أصدرت حكمها بحق بكري بالأشغال الشاقة المؤبدة، وحكمت أيضاً على 53 شخصاً غيره بأحكام مختلفة، ووجهت إليهم تهمة الانتماء إلى تنظيمي«القاعدة» و«فتح الإسلام»، والقيام بأعمال إرهابية. الشيخ بكري بقي مقيماً في منزله في حي مرج الزهور في منطقة أبي سمراء ـــــ طرابلس، مستغلاً «المناسبة» ليطل عبر أكثر من وسيلة إعلامية محلية وأجنبية، ويعبّر من خلالها عن استغرابه للحكم من جهة، ومعلناً رفضه الاحتكام إلى محاكم غير دينية من جهة ثانية.
أسباب تأخر إلقاء القبض على بكري طوال هذه المدّة، أوضحها مسؤول أمني لـ«الأخبار»، ورأى أنها «لوجستية»، كاشفاً أن «الرجل بقي تحت مراقبتنا الشديدة إلى حين اتخاذ قرار بتوقيفه بناءً على إشارة القضاء المختص». وأشار المسؤول الأمني إلى أن بكري «لم يخرج من منزله منذ إعلان الحكم، إلى أن قام بذلك أمس، فأوقف فوراً وهو خارج منه، بعدما فضلنا عدم اقتحام منزله».
وكشف المسؤول تفاصيل عملية التوقيف، فقال إنها «جرت قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف، عندما كان بكري يقود سيارته من طراز GMC بعدما أخرجها من كاراج البناية، وإلى جانبه زوجته المنقبة وابنه البالغ من العمر 8 سنوات، وإنه بعد ابتعاده مسافة لا تزيد على 100 متر عن البناية، طوقته 4 سيارات في داخلها عناصر تابعون لفرع المعلومات، فطلبوا منه التوقف، إلا أنه لم يمتثل، فأطلقوا النار على السيارة، ما أدى إلى إصابة إطارها الأمامي لجهة السائق لعرقلتها عن متابعة مسيرها، إضافة إلى رصاصة أخرى أصابت مقدمة السيارة، الأمر الذي أجبر بكري على التوقف»، ثم عمد العناصر الأمنيون إلى «تطويق السيّارة، وطلبوا من بكري الاستسلام لهم، فقام بذلك بهدوء وبلا مقاومة، فوضع في إحدى السيارات ثم نقل مباشرة إلى مبنى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للتحقيق معه، تمهيداً لتسليمه إلى القضاء العسكري».
بكري قال لـ«الأخبار» قبل اعتقاله: «أعرف حجمي جيداً، وأعرف أنني رقم صعب»
بعدما طوت صفحة توقيف بكري الجدل الكبير الذي أثاره الرجل منذ عودته إلى لبنان قبل نحو 5 سنوات، لزيارة والدته اللبنانية الأصل، من شأن التحقيقات معه ومحاكمته أن تكشف ما كان غامضاً من مسيرته وارتباطاته، بعدما أكد مصدر أمني مسؤول لـ«الأخبار» أن بكري «كان يستخدم نشاطه الديني غطاءً لنشاطه الاستخباري المشبوه، وأنه كان تحت مراقبتنا إلى حين تجمّعت لدينا معطيات خطيرة عنه».
وكان بكري قد تحدث لـ«الأخبار» قبل نحو نصف ساعة من توقيفه، فأوضح أن«محضر التحقيق الذي حصلت على نسخة منه، يبيّن أن اسمي ورد فيه تحت خانة أسماء المطلوب التحقيق معهم، وليس اسمي من بين أسماء المدعى عليهم، وأن شخصاً يدعى عمر ح.، لا أعرفه، ذكر اسمي في التحقيقات معه، وأنني كنت أدرّب مجموعة تابعة لنبيل رحيم على استعمال السلاح، وتحديداً سلاح B.K.C، في منطقة زيتون أبي سمراء».
رحيم اعتقل مطلع عام 2008 في محلة أبي سمراء بتهمة انتمائه إلى تنظيم «فتح الإسلام» وتأليف مجموعة إرهابية، ويؤكد بكري أنه لا يعرفه. ويقول في هذا السياق: «لو كنت مداناً لهربت، لكنني لم أفعل لأنني بريء، ولأنني لا أعرف نبيل رحيم»، مطالباً بسؤال الأخير: «هل يعرفني؟»، ومعرباً عن اعتقاده أن رحيم وجماعته «يضحكون عندما يسمعون أخباراً كهذه».
في المكالمة، أبدى بكري استغرابه لسماعه بالحكم عبر وسائل الإعلام، من غير أن يُبلَّغ مسبقاً بموعد المحاكمة، ويقول: «استفسرت قانونيين، فأوضحوا لي أنه يمكنني الاستئناف وإعادة النظر في اتهامي، لكن المشكلة أن لدي مانعاً شرعياً في الاحتكام إلى محكمة وضعية».
في موازاة ذلك، ينفي بكري الذي دخل العقد السادس من عمره، وكانت الصحافة البريطانية تطلق عليه لقب «آية الله توتنهام»، أي علاقة له بتنظيمي «القاعدة» و«فتح الإسلام»، وخصوصاً لجهة اتهامه معهما بتفجيرات عين علق، ما دفعه إلى التعليق قائلاً: «هل أنا رامبو لبنان!؟».
أما في ما يخصّ الاتهامات الموجّهة إليه بأنه يدرّب شباناً لإرسالهم إلى أفغانستان والعراق لمقاومة الاحتلال الأميركي والبريطاني فيهما، وكذلك يرسل شباناً إلى الشيشان، فقد أكد بكري الذي عاد إلى لبنان في آب 2005 لزيارة والدته، ومن ثم منعته السلطات البريطانية من العودة بسبب مواقفه المؤيدة لتنظيم القاعدة، أنه «عندما أتيت إلى لبنان كان ذلك بهدف التقاعد، والتفرّغ للدعوة عبر الإنترنت»، موضحاً في هذا المجال: «أنا أصلي في بيتي، ومكتبي في بيتي أيضاً، وأنا لا أمارس أي نشاط عدا ذلك».
وقال بكري: «أعرف حجمي جيداً، وأعرف أنني رقم صعب وقادر على استنهاض عشرات الشبان، لكنني لن أفعل ذلك لأنني أعرف أن وضع لبنان لا يحتمل». لكنه حذّر من أن «طلابي خارج لبنان الذين يقدّرون بنحو 4 آلاف طالب، متوزعون بين بريطانيا وكندا وأوستراليا وباكستان، وأتواصل معهم عبر الإنترنت، يعدّون أنفسهم للقيام بتظاهرات واعتصامات أمام السفارات اللبنانية في هذه البلدان، تضامناً معي».
ومع أن بكري أشار إلى أنه زار منذ مجيئه إلى لبنان شخصيات سياسية عدّة، مثل الرئيسين أمين الجميّل ونجيب ميقاتي والنواب محمد كبارة وسمير الجسر وأحمد فتفت، وأنهم «يعرفون أنه لا علاقة لي بالتهم الموجهة إليّ، فإن أحداً منهم لم يتصل للاستفسار أو الاطمئنان»، لافتاً إلى أن «الشيخين بلال شعبان وهاشم منقارة وحدهما فعلا ذلك».
وبهدف رفع «المظلومية» عنه، حسب تعبيره، كشف بكري أنه«ناشدت لهذه الغاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والسياسيين، ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وعلماء المسلمين السنة والشيعة لهذه الغاية، وآمل أن أجد تجاوباً منهم».


منع الإعلاميين من دخول المنزل

أشارت وسائل إعلام إلى أن القوى الأمنية أطلقت النار في الهواء لمنع تجمّع مواطنين حول منزل بكري اعتراضاً على توقيفه، فنفى شهود ذلك، وقالوا إن «مواطنين حاولوا الاقتراب من المكان لمعرفة ما يحصل بعد إطلاق النار، وأن أجواء المنطقة كانت طبيعية جداً بعد مرور أقل من نصف ساعة على اعتقال بكري. وأعاد شبّان من المحلة السيّارة إلى كاراج البناية، فيما لزمت زوجة بكري وابنها المنزل، رافضة فتح باب الشقة والتحدث لوسائل الإعلام». وكان المقصود رفض استقبال الإعلاميين من رجال، إذ سُمح لمندوبة إحدى التلفزيونات بالدخول إلى المنزل، وقد أعلنت المندوبة نقلاً عن زوجة بكري أن عناصر فرع المعلومات صادروا بعض الأغراض من المنزل من دون إذن قضائي.
صدر بيان عن قوى الأمن جاء فيه أنه خلال عملية توقيف بكري، حاول الفرار بسيارته «الأمر الذي دفع أحد عناصر دورية فرع المعلومات إلى إطلاق عيارين ناريين، مصيباً أحد الإطارين الخلفيين... مع الإشارة إلى أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تقوم بالواجبات المنوطة بها لجهة تطبيق الأحكام القضائية، غير أن مسألة براءة المذكور أو عدمها تعود للسلطات القضائية المختصة».