خطيفة وشو ما صار يصير». بات الحبيبان يتّخذان مثل هذا القرار بلا تردد، وخصوصاً مع تزايد تشبّث الأهل بأسباب للرفض هي ليست موانع شرعية للزواج. فالشاب، بحسب قضاة الشرع، ليس مسؤولاً عن وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، لذا يطالبون الأهل بعدم «تعجيز» طالب القرب
البقاع ــ أسامة القادري
ليست الحادثة الأخيرة لهروب عروس بلدة «الرمادية» في الجنوب يوم زفافها المقرر على شخص آخر، لأسباب «فردية» كادت تسبّب نكأ جروح ما أحدثته السياسة في البلدة من انقسامات، فريدة من نوعها. فالبقاع، ضرب منذ أسبوعين الرقم القياسي، إذ سُجّلت ثماني حالات «خطيفة» خلال يومين فقط. الرقم ليس بسيطاً، وخصوصاً إذا كان في بلدتي سعدنايل وتعلبايا المتجاورتين، في البقاع الأوسط. لا تنتمي الحالات إلى طبقة واحدة، بل تتوزع على أسر متنوعة. أما المفارقة، فهي أنّ الفتيات زميلات في الدراسة.
تتطوّع إحدى الصبايا لرواية حكاية كل منهن، بعد الاطمئنان إلى عدم ذكر الأسماء في التقرير. تبرر إقدامها على «الخطيفة»، بأنّ «زوجها اليوم»، كان قد تقدّم لخطبتها من ذويها مرّات عدّة. وفي المرة الأخيرة، نفد صبر والدها منه فضربه بقسوة، مؤكداً أنّه لن يقبله زوجاً لابنته. فما كان من الصبية إلّا أن قبلت طلب حبيبها للزواج من دون موافقة أهلها، «وذهبتُ معه» لتضعهم أمام الأمر الواقع، كما تقول. تبدو الفتاة مرتاحة لقرارها، لكن في عينيها ما يشير إلى أنها تتمنى أن تنتهي فترة الخصام مع الأهل في أسرع وقت ممكن.
قصة أخرى ترويها الفتاة عن بنت من تعلبايا أحبّت شاباً من سعدنايل تقدّم لخطبتها. لكنّ والد البنت رفضه متأثراً بالخلافات التي استجدت بعد اغتيال الرئيس الحريري. وكانت هذه الخلافات قد أدت إلى طلاق أكثر من فتاة من البلدتين. تتابع الصبية روايتها وهي تهز برأسها امتعاضاً من عدم تفهّم الأهل، وخصوصاً أنْ لا علاقة للشباب بما يفرضونه عليهم من خلافات سياسية ومذهبية.
أما الزميلة الثالثة، فلم تتردد في الموافقة على الزواج بمجرد أن وفّر حبيبها المسكن والأثاث. هيّأت هويتها وما تيسّر لها من أمتعة، لتذهب معه خارج المنطقة في ضيافة أحد أصحابه. وقد عُقد قرانهما قبل احتواء الأمر بين أهل الشاب وأقارب الفتاة، فيما كانت الأمور تذهب باتجاه القتل.
حالة الرابعة لا تختلف عن سابقاتها لجهة الإصرار على الزواج من الحبيب، في وقت كان يخطط فيه الأهل لتزويجها «مقايضة»، بشاب قريبهم تزوجت شقيقته بابنهم. أما الأسباب التي كان يقدمها الوالد لرفض العريس فـ«إنّو وضعو مش كتير منيح».
شكوى الأهل من الظروف المادية السيئة جعلت حبيبين آخرين يخطفان نفسيهما، إلى إحدى القرى في البقاع الغربي، رغم أن الفتاة في السابعة عشرة والشاب في التاسعة عشرة. وعندما رفض والد الفتاة أن يكون هو أو أيّ من أعمامها وكيلها، أثناء «كتب الكتاب»، كلف القاضي نفسه وكيلاً شرعياً لها ليُنهي عقد قرانهما بأسرع وقت.
ومع أنّ خطيب إحدى الفتيات كان «كاتب كتابها على سنّة الله ورسوله»، فإنّ مشكلة وقعت بين العروس وأمها على خلفية تجهيزات العرس و«شروطها اللي ما انتهت، وما كانت بحسبان العريس». الفتاة التي رفضت إملاءات والدتها، لم تسلم من «قتلة محرزة»، قبل أن تخطف نفسها مع خطيبها، ويختفيان أسبوعاً عن الأنظار.
أما زواج إحداهن «خطيفة» فلم يكن بسبب رفض والديها فحسب بل أعمامها أيضاً. ذنب الشاب أنه قريب لشخص متهم بتجارة المخدرات، ويساور ذويها الشك في أنّه يعمل معه. لكن هذه المبررات لم تقف حاجزاً أمام الفتاة التي قبلت عرضَ من تعشقه للزواج «ويصير شو ما يصير».
تضحك الطالبة في السنة الجامعية الأولى حين تروي قصة زميلتهن السابعة. تقول: «ما شجّعها، «تروح خطيفة»، حصول ست حالات خلال اليوم الذي شاهدها فيه والدها في إحدى زواريب البلدة، وهي تقف تتحدث إلى حبيبها. وحين شاهدته قررت الهروب، «وبدل ما تروح عالبيت راحت خطيفة، حتى تزمط من القتلة ومن حرمانها من الخروج برات البيت».
يلوم القاضي الشرعي في محكمتي بر الياس وبعلبك، الشيخ عبد الرحمن شرقية، أهل الفتاة، باعتبار أنّ ما يقدم عليه الشاب والفتاة، هو «خطوبة يتفاهمان عليها بعيداً عن رأي الأهل»، وأنّ «الخطيفة» بهدف الزواج ليست اغتصاباً، وإن كانت لا تأخذ

الأهل قد يصالحون الخاطب ولا يصالحون ابنتهم التي أهانت كرامتهم
المنحى الشرعي، لكون الخطيبة والخاطب يخرجان معاً من دون رابط شرعي. وعن دور المحكمة الشرعية في هذا المجال، يشرح القاضي شرقية أنّ المحكمة، تحيل عاقد القران خارج المحكمة الشرعية على النيابة العامة، «لأن في الأمر خطورة وتهديداً لكرامة الأهل يستدعيان اللجوء إلى المحكمة». هذه الأخيرة تراسل ولي أمر المخطوبة، بعد أن تتقدم المخطوبة بطلب إلى القاضي، تطلب فيه التدخل وتعلن «أنها تريد الزواج بخاطبها، وأن أهلها يرفضون ذلك»، وعلى هذا الأساس تجري مراسلة الوالد أو ولي الأمر. وإذا قدّم الوالد أسباباً جوهرية تمنع عقد القران، يؤخذ بها كتعاطي المخدرات أو الخمر أو الميسر.
لكن القاضي يلفت إلى أنّ الأسباب غالباً غير جوهرية، تتعلق بالوضع الاقتصادي للخاطب أو بالمستوى الاجتماعي المختلف، وهذه ليست من الموانع، و«إذا تمنّع ولي أمرها أن يكون وكيلها، يكون القاضي وكيلاً لها في هذه الحالة، ويطلب مهراً مؤجّلاً يزيد على مهر أقرانها، ليحفظ الرجعة بها».
وعن مطالبة ذوي الفتيات، بإرجاعهن إليهم، يؤكد أنّ «هذا أمر خطير جداً ولا أحد يستطيع أن يتحمل مسؤوليته»، «وقد حدث أن سلّمنا بعضهن إلى ذويهن من خارج المحكمة، فكانت النتيجة أن قُتلن».
يدعو القاضي شرقية أهالي الفتيات، إلى حسن تربيتهن ليحسنّ اختيارهن، مشدداً على ضرورة تقديم التسهيلات في خطوبتهن، لا أن يضعوا طالب الزواج أمام جملة تعجيزات.
اللافت في ما يقوله أحد الأشخاص «المصلحين»، أنّ الأهالي يوافقون في كثير من الأحيان على مصالحة ذوي الشاب، فيما «لا يرضون مصالحة ابنتهم باعتبار أنها أهانت كرامتهم، وهذه من أبرز المعوقات التي تواجهنا».