الصورة هي الأكثر تعبيراً عن الواقع. لذا، اختارت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان إطلاق مسابقة تصوير في موضوع «التغيّر المناخي والبيئة». لكن الطقس الذي شهده حفل توزيع الجوائز كان خير معبّر عن أن «تغيّر المناخ» حقيقة ثابتة
بسام القنطار
لم يجد سفير الاتحاد الأوروبي في لبنان، باتريك لوران، أصدق من الطقس الصيفي الحار في عز تشرين الثاني للإشارة إلى أهمية مسابقة التصوير الفوتوغرافي في موضوع «التغيّر المناخي والبيئة في لبنان»، التي نظمتها بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان.
«نحن اليوم في الهواء الطلق على درج مار نقولا في الجميزة نتمتع بطقس دافئ وجميل. لكن هذا الأمر ليس عادياً، إنه يُنذر بأن التغيّر المناخي حقيقة، وعلينا التكيف مع شروطه الجديدة التي تُفرَض علينا»، يقول لوران. وكانت بعثة الاتحاد الأوروبي قد دعت في شهر نيسان الماضي المصورين الهواة المقيمين في لبنان، الذين تراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة إلى المشاركة من خلال الصور الفوتوغرافية في إبراز الواقع المُضر لأفعال الإنسان على البيئة في لبنان.
وقُوِّمت الصور على أساس استحقاقها الفني وامتيازها التقني وفرادتها، فضلاً عن الرؤية الشخصية للمصور في ما يتعلق بتأثير الإنسان على بيئته. وتألفت لجنة التحكيم من رئيسة تحرير مجلة البيئة والتنمية راغدة حداد، أستاذ التصوير في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا) الفنان ريكاردو مبارك، مدرّسة التصوير في (ألبا) وفي جامعة القديس يوسف غادة مبارك، مدير المؤسسة العربية للصورة سامر مقداد، والمصور روجيه مكرزل.
على الدرج الذي يمثّل حبل السرة لما بقي من ذاكرة بيروت، افتتحت بعثة الاتحاد الأوروبي أول من أمس، معرضاً لأفضل 30 صورة اختارتها لجنة التحكيم، وانتقت أول ثلاث صور منها ليمنح أصحابها جوائز مالية. وللمناسبة، دعا لوران إلى بحث سبل التخلص من العديد من المشاكل البيئية التي يعانيها لبنان، وخصوصاً موضوع إدارة النفايات المنزلية الصلبة التي احتلت حيزاً أساسياً من صور المسابقة.
إلى جانب لوران، وقف وزير البيئة محمد رحال والسفيرة البريطانية فرانسيس غاي وسفير بلجيكا يوهان فيركامن، وعدد من أهالي الشباب المشاركين وأعضاء جمعية إنماء الجميزة. رحال أثنى على المسابقة التي يجريها الاتحاد الأوروبي، معيداً تأكيد أهمية ما قاله لوران عن التغيّر المناخي الذي يشهده العالم. وعلق على هذا الأمر بالقول: «منذ عشرات السنين لم يمر طقس كهذا في لبنان، وفي الشهر المقبل سنشارك في قمة تغيّر المناخ التي ستعقد في كانكون ـــــ المكسيك، ونحن نأمل أن تتوصل هذه القمة إلى توقيع اتفاقية ملزمة وعادلة لجميع الدول للحد من الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. ومن جهتنا موقفنا واضح في هذا الموضوع».
بعدها سلم لوران ورحال الجوائز للفائزين الثلاثة في المسابقة، وهم: قاسم حمدون (18 عاماً)، وقد حازت صورته بعنوان «ازدياد جهل البشر» الجائزة الأولى، ونال عليها مبلغ 1000 يورو. وتعالج صورة حمدون موضوع تلوث شاطئ البحر من خلال نفايات المصانع السائلة التي يكون معظمها شديد التلوث، وتحمل مُذيبات عضوية ومواد كيميائية شديدة الفتك بالتنوع البيولوجي للشاطئ اللبناني. وتظهر الصورة هذه النفايات الصناعية ترسم خطاً أصفر على طول الساحل البحري قرب بيروت لتصل إلى شاطئ البحر.
أما الجائزة الثانية، فكانت من نصيب ليا غرّة (12 عاماً) عن صورتها «موت الشجرة المسافرة»، وقد نالت عليها مبلغ 750 يورو. وتظهر الصورة بقايا شجرة معمرة اقتُلعت من جذورها بعدما قطعت جميع أغصانها. فيما حازت صورة دوري يونس بعنوان «الكتلة العفنة» الجائزة الثالثة، ونال عليها مبلغ 500 يورو. وتظهر الصورة ساحة مليئة بالنفايات وبقايا الخضار.
وعالجت بقية الصور التي رُشِّحت للعرض في درج الجميزة قضايا الكسارات والمرامل وتلوث الشاطئ والصرف الصحي وجبال النفايات وتلوث الهواء والصيد البري. وفيما اكتسبت بعض الصور أهمية فنية رغم أن أصحابها هواة، بدت صور أخرى أقرب إلى التركيب والافتعال المفرط، على غرار صورة لسمكتين نافقتين على شاطئ البحر، وإلى جانبهما ليمونة. لم يكن ينقص الصورة إلا بعض البقدونس والطرطور ليكتمل المشهد!

غاب إلى حد كبير عن مخيلة المصورين الشباب بروز الأثر المباشر للتغيّر المناخي
لكن التركيب في الصورة لم يكن كله مفتعلاً؛ فقد اعتمد أحد المصورين على فكرة الأبعاد الثلاثة في التقاط صورته. جلس الفتى في مكان قريب من عمودي معمل الذوق الحراري الملونين بالأبيض والأحمر، اللذين يتصاعد منهما على مدار الساعة دخان الفيول. وضع الشاب في فمه سيجارة ولوّنها أيضاً بالأحمر لتظهر مطابقة لعمودي المعمل إلى حد التقارب.
وفيما غاب إلى حد كبير عن مخيلة المصورين الشباب بروز الأثر المباشر للتغيّر المناخي كالتصحر وجفاف الينابيع والمناطق الرطبة والذوبان المبكر للثلوج، اتجهت الأعمال إلى صور أكثر عمومية لآثار التدهور البيئي، من خلال إبراز الواقع المضر لأفعال الإنسان على البيئة في لبنان، عبر مشاهد طبيعية من المدن والأرياف، فيما تميزت إحدى الصور بإظهار ساحة معركة الصيادين في إحدى مناطق عبور الطيور في لبنان، وقد اكتست الأرض بآلاف بقايا خرطوش الصيد، للدلالة على واقع قطاع الصيد البري وتخلف الدولة عن تنظيمه.
وفيما لم يُعلَن تكريس مسابقة التصوير، التي تولت تنسيقها المصوّرة ريما مارون، مشروعاً سنوياً لبعثة الاتحاد الأوروبي، إلا أن السفير لوران لم يستبعد هذا الأمر مع احتمال تنوع الفئات المستهدفة منها، لتشمل المصورين المحترفين مع زيادة في قيمة الجوائز المالية.