Strong>سلّمت وزارة الداخلية والبلديات، أخيراً، مشروع تنظيم عمل مهنة «الفاليه باركينغ»، إلى مجلس شورى الدولة، بالتعاون مع وزارة السياحة. ويدور في الجميزة نقاش «تحت الطاولة» بين شركات الفاليه، والمستفيدين من عدم قوننة المهنة، حول إمكانية استفادتهم من القانون الجديد، وخصوصاً أن جميعهم يعترضون على استحداث الطابق العلوي في محطة شارل الحلوالمنطقة مقسومة إلى مكعّبات. صحيح أنها سكنية، إلّا أنها مجرد تسمية، لا تعبّر إلا عن عبثية التنظيم المدني اللبناني. الجميزة مجموعة مناطق. وشركات «الفاليه باركينغ» هناك، تقطع المنطقة إلى مناطق نفوذ. العالم في نظر تلك الشركات يتلخص بالأرض، بالمساحات المتاحة لإيقاف الآليات وحسب. سيطرة بعضها على المنطقة، يعود إلى أكثر من 7 سنوات، أي تزامناً مع انتعاش المنطقة سياحياً، وموتها سكنياً. أخيراً، وبعد الضجيج المتلاحق (نيسان المنصرم)، زار وزير الداخلية والبلديات زياد بارود المنطقة أكثر من مرة، لتفقد «النايت لايف»، كانت إحداها مع زوجته، وبدون مرافقة، كما نقل شهود عيان.
وبعد جولات الوزير، أعدّت وزارة الداخلية، أخيراً، مشروع تنظيم عمل «الفاليه الباركينغ» بالتعاون مع وزارة السياحة، وقدمته إلى مجلس شورى الدولة. وهذه ليست المرة الأولى التي «يناضل» فيها بارود لإيجاد مخرج ممكن لأزمة زحمة السير التي تقبض على الجميزة، وتمنع سكانها من النوم طبيعياً، خصوصاً في مواسم الصيف العامرة. فمنذ سنة تقريباً، تمنى وزير الداخلية والبلديات زياد بارود على بلدية بيروت «إعادة النظر بتلزيم تشغيل محطة شارل حلو للسفر والنقل البري وصيانتها واستثمارها، بحيث تضاف فقرة في دفتر الشروط تشير إلى ضرورة تخصيص مساحة محددة في المحطة المذكورة خاصة بسيارات رواد منطقة الجميزة، كي يتمكنوا من إيقاف سياراتهم ضمنها والانتقال إلى منطقة الجميزة بواسطة وسائل نقل مخصصة لهذه الغاية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إعادتهم إلى المحطة بهدف الإسهام في حل أزمة الازدحام التي تشهدها منطقة الجميزة كل مساء، وتخفيفاً للإزعاج الذي يتعرض له أهالي المنطقة وسكانها». وكان المقصود بهذا الموضوع، الطبقة العليا من محطة شارل الحلو. لكن أمنيات الوزير لم تلق صدىً مسموعاً حتى الآن، رغم الضجيج الذي أحدثه التحرك الأخير لسكان الجميزة في نيسان الماضي. الطبقة العليا ما زالت مقفلة. وبلدية بيروت لم تصدر رداً واحداً، أو تعليقاً واحداً على طلب الوزير، الذي لم يكن سراً، وعمم على وسائل الإعلام.
لم تردّ بلدية بيروت منذ عام حتى الآن على طلب وزير الداخلية
أصحاب شركات إيقاف السيارات في وادٍ آخر. وفي المعطيات التي يستند إليها هؤلاء، والتي تبدو بعيدة عن حسابات الوزير بارود، تظهر محطة شارل الحلو عاملاً يفاقم الأزمة. فببساطة، يرى هؤلاء أن افتتاح هذه المحطة يعني قتل الجميزة بوصفها منطقة سياحية، وذلك لعدة أسباب. أولها وأبرزها في رأيهم، طبيعة المواطن اللبناني «الكلاس»، التي ترفض فكرة شارع المشاة!! وفكرة شارع المشاة، طرحت فعلاً في الاجتماعات التي عقدت مع الوزير بارود لحل أزمة السير. ونظراً لما يراه أصحاب شركات إيقاف السيارات «خبرةً» في التعاطي مع الزبون اللبناني، يرجح هؤلاء فرضية ابتعاد الزبائن عن الجميزة، إذا اضطرو للمشي. في النهاية، نحن في لبنان ولسنا في أوروبا، يؤكد أحد أصحاب الشركات. ولا يكتفي المعنيون بهذا التحليل السوسيولوجي، بل يضيفون إليه المشكلة اللبنانية التقليدية مع النقل العام. فحتى الحلول المطروحة الأخرى، والتي تقضي بنقل المواطنين الآتين إلى الجميزة من محطة شارل الحلو بواسطة سيارات نقل عام معدّة لهذه الغاية، هي حلول مرفوضة. لكن طبعاً، هذه المرة الاقتراح لا يعجب الشركات بالدرجة الأولى لأنه يلغي فكرة وجودها من الأساس. أما الأسباب التقنية، والتي يتمسك بها أصحاب السيارات، فهي ترتكز على محورين أساسيين. أولهما هو القدرة الاستيعابية للطبقة العليا في المحطة، والتي لا تتسع لأكثر من 700 سيارة، على حد تقدير جورج شمعون، أحد أصحاب هذه الشركات، فيما يرجح أن الجميزة بما هي منطقة واسعة، تستوعب أكثر من ألف سيارة. ومن جهة أخرى، يعقتد شمعون أن مداخل شارل الحلو ومخارجها خطرة وغير واضحة بالنسبة للزائرين الذيت يتعاملون مع المنطقة بحميمية كلاسيكية. طبعاً، يستهوي اللبنانيين أن يسلموا مفاتيح سياراتهم إلى العامل، ويوفروا عناء المشي بضعة أمتار. لكن الموضوع ليس هنا بالنسبة إلى شمعون «وليصطفل اللبنانيون». يهمه عمله. ومدخلا محطة شارل الحلو خطران، من جهة الصيفي، ومن جهة الدفاع المدني في الكرنتينا. سيعرّض هذا العمال للخطر، والسيارات المزدحمة أيضاً، إذ ستنتقل الزحمة من الجميزة إلى جادة شارل الحلو، كما يرى شمعون.
وفي سياق منفصل، يلفت ريمون أبو يونس، صاحب شركة أخرى، إلى أن موظفي الشركات قانونيون، لكن «الشركات تقوم بدعوة من وزيري السياحة والداخلية بتأسيس اتحاد للشركات العاملة في إطار إيقاف السيارات». الاجتماعات انتهت واللجنة تألفت. لكن لم يقبل الجميع المشاركة. ويشير أبو يونس إلى أن لجنة المطاعم لا تقوم بواجباتها تجاه المنطقة، معبراً عن استيائه الحاد من تحميل الرأي العام لـ«شباب الفاليه» كل المسؤولية عن كل الخراب. يعترف بوجود بعض التجاوزات لبعض الشبان، والخلافات التي تنشب أحياناً «مع زبائن سكارى». ثمة مشاكل تحصل بين الشركات، وخصوصاً القديمة منها مع الجديدة. القدامى اعتادوا بعضهم بعضاً. بعض هذه المشاكل تحل قانونياً، كما نجحت إحدى الشركات في الحصول على رخصة لإيقاف السيارات أمام الحانات التي تتولى ادارتها مقابل رسوم بلدية معتادة. هكذا، تصبح الطريق شرعية للمطاعم، وتدبر الشركات مسألة إيقاف السيارات «مرتاحة البال». لكن قد يبلغ التوتر ذروته حين تعمد بعض الشركات إلى إنزال بعض الشبان باكراً، وحجز الطريق، بواسطة السيارات، أو الشرائط الصفراء التي تستعملها الدولة، وقد حدث ذلك في أكثر من مناسبة. يخشى زعماء إيقاف السيارات في الجميزة تفلّت الأمور، فبعض «الجدد في المهنة» لا يعرفون الجيران من السكان، ولا يحجزون لهم أماكن. بعضهم الآخر لا يعرف التعامل مع «الشبيحة». فأحياناً، يزور هؤلاء الجميزة للسهر، ويعرّفون عن سياراتهم بأنها «عسكرية». وفي أحيان أخرى، يعلن بعض زوار الجميزة أن «في سياراتهم سلاح».
لا يخفي المتابعون حصول تضارب بين العمال في كثير من الأحيان. لكن أصحاب الشركات يصرّون على أن تصرفات البعض السيئة، تسيء إلى صيت الشركات كلها. العمال يدفعون الثمن في الحالتين. يتضاربون حيناً كرمى لموقف سيارة لا يملكونها ـــــ وربما لن يملكوا مثلها في حياتهم ـــــ ويركضون من الجميزة إلى شركة كهرباء لبنان لإحضار سيارة أخرى حيناً آخر.
أ. م.