تؤكد أوساط لاهاي أن المدعي العام الدولي دانيال بلمار لا يثق بالمسؤولين القضائيين والأمنيين اللبنانيين بعد أن أثبتوا عدم صدقيتهم عبر التغيير المستمرّ لـ«إفاداتهم»
عمر نشّابة

تلقي خلاصة سلسلة من الاتصالات بثلاثة مسؤولين قضائيين دوليين في لاهاي من بينهم موظف في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مزيداً من الضوء على موقف المدعي العام دانيال بلمار مما نشر أخيراً في وسائل إعلام غربية، خصوصاً لجهة مضمون وثيقة تشتبه في العقيد وسام الحسن. لكن قبل تقديم أبرز النقاط التي وردت على لسان المسؤولين القضائيين الذين تربط اثنين منهم ببلمار معرفة تعود الى فترة تولّيه رئاسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة، لا بدّ من الإشارة الى معلوماتهم عن موعد صدور القرار الاتهامي. تُحدَّد المدة التي سيستغرقها قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين للتدقيق في ملفّ القرار الاتهامي الذي ينتظر أن يودعه إياه بلمار بحسب ما إذا كان القرار يتهم شخصاً واحداً أو عدداً من الأشخاص ونوعية الأدلة التي اعتمدها. فقد يطلب فرانسين توضيحات من بلمار بشأن مصادر بعض المعلومات ليتأكد من صدقيتها. علماً أن نصّ القرار لا يتضمّن وصفاً للأدلة بل إن قواعد الإجراءات والإثبات تقتضي تسليم نسخة عن الأدلة الى مكتب الدفاع بعد ثلاثين يوماً على تصديق فرانسين الاتهام. فرانسين قد يطلب تعديل القرار الاتهامي أو إلغاءه كله إذا كانت الأدلة التي يعتمدها لا تتناسب مع القواعد. لكن هل الخلاف بين بلمار وفرانسين بشأن طلبات اللواء جميل السيد يؤثر على عملية تصديق القرار الاتهامي؟ يتفق المسؤولون الثلاثة على أن هذا الخلاف قضائي في قضية محدّدة ولا علاقة له بمسار قرار الاتهام القانوني، لكن أحدهم يضيف «الخلافات التي قد يكون لها تأثير على القضية مصدرها مكان آخر» رافضاً الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
يؤكد المسؤولون القضائيون الثلاثة أن (1) بلمار كان قد تسلّم ملفّاً بشأن وسام الحسن من سلفه سيرج براميرتس، غير أن هذا الملف لم يكن مكتملاً، وبالتالي طلب بلمار من المحققين في فريقه استكماله.
نشرت «سي بي سي» الكندية أخيراً نسخة عن أحد المستندات التي يتضمّنها الملف، لكن هناك مستندات أخرى ومنها خلاصة التحقيق وتقارير تتضمّن معلومات عن علاقة الحسن بالحريري وشهادات لضباط وقضاة لبنانيين بالتحقيقات التي أجراها ويجريها الحسن خُصص جزء

حساسية الاستماع الى ضابط يتمتّع بنفوذ لدى القضاة أخرت التحقيق
أساسي منها لتقييم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي «لأداء الحسن ومساهمته في تطوير المؤسسة وتحديثها». الملف الذي تسلّمه بلمار من براميتس تضمّن على ما يبدو إشارة الى التقارير التي سلّمها فرع المعلومات الى المحقق العدلي بخصوص احتمال ضلوع أشخاص على صلة بحزب الله بجريمة اغتيال الحريري. شدّد أحد المحققين الدوليين، عبر الهاتف، على أن تلك التقارير كانت سطحية، وأن فريق بلمار عمل على استكمال التحقيق بعدد من الجوانب الحساسة، وخصوصاً لجهة تحديد طبيعة العلاقة بين الحسن وبعض المسؤولين في حزب الله.
(2) يتوافق المسؤولون الدوليون الثلاثة على أنه كان يفترض أن ينطلق التحقيق في ملفّ العقيد وسام الحسن من القضاء اللبناني وتحديداً من المحققين العدليين الياس عيد وخلفه صقر صقر «لكنهما لم يبادرا الى طرح سؤال بديهي عن سبب عدم وجود الحسن في موكب الحريري يوم اغتياله، والدليل على ذلك عدم وجود محضر لاستجوابه أمام القضاء اللبناني». وبالتالي فإن «حساسية التحقيق مع ضابط يتمتّع بنفوذ واسع لدى القضاة اللبنانيين المعنيين بالقضية ساهمت في تأخير توسّع براميرتس في التحقيق».
(3) يقول المحققون الدوليون في لاهاي إن في أروقة الأجهزة القضائية والأمنية اللبنانية ما يثير الشكّ والريبة. فالعلاقات المتشعّبة والتواصل الدائم بين من يفترض أن يكونوا أعداء، بالإضافة الى التغييرات المفاجئة في المواقف وإلى تركيز البعض على المصالح الشخصية لا تعير الوفاء والمبادئ أي اعتبار. ويؤكد أحد المحققين أنه لاحظ في محاضر التحقيق تناقضات متكرّرة في إفادات بعض الضباط ومسؤولين سياسيين وقضائيين لبنانيين.


مخابراتي

رأى اللواء جميل السيد في بيان صدر عنه أمس، أن التقرير الذيّ بثّه راديو كندا أخيراً «تقرير مخابراتي بامتياز سواء لجهة مكان صدوره أو مضمونه أو توقيته، وخصوصاً أن الغاية من تسريبه قبل صدور القرار الظني المرتقب، هي تسليط الضوء مجدداً على حزب الله من جهة، والإيحاء من جهة أخرى بأن العقيد وسام الحسن هو مُشتبهٌ فيه أيضاً لتبرئته مسبقاً من تهمة توريط حزب الله لكون الحسن وجهازه هما مصدر المعلومات عن الشبكة الخلوية في فرضيّة اتهام حزب الله، كما كان الحسن أيضاً من المصادر الرئيسة لاتهام سوريا والضباط الأربعة بواسطة شهود الزور خلال الفترة الماضية.
وأسف السيد لكنه لم يستغرب «تصريح الرئيس سعد الحريري أمس بأنه لا يزال يتمسك بثقته بوسام الحسن، على الرغم من أنّ دولته يعرف تماماً أن كثيرين من المحيطين به من قضاة وضباط وسياسيين وإعلاميين، ومنهم الحسن، قد تورّطوا مباشرة في مؤامرة شهود الزور وفي تضليل التحقيق الدولي واللبناني على مدى أربع سنوات».