فعلاً، باتت جورة الترمس مجرد جورة. فقبل سبعة أشهر، توقّف المتعهدون عن العمل في مشروع قنوات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي، تاركين حفر المشروع مصيدة للعابرين. وكان من نتيجة ذلك أيضاً إغراق البيوت بغبار الشاحنات العابرة على طريق تحولت... ترابية
ريتا شهوان
لا شيء يوحي بالحياة في منطقة جورة الترمس في فتوح كسروان، إلا وجود البشر، أما مقوّمات هذا الوجود... فلا وجود لها بالأساس: لا طرقات صالحة لعبور سيارتين في الوقت نفسه على الجهتين، ولا طرقات حتى للمارة الذين لا يعرفون متى يسقطون في حفرة أو تحت سيارة مسرعة، ولا حتى مراكز حيوية، كحال معظم القرى في «الجرود». كل شيء قد يكون محتملاً، لكن ما لا يستطيعه أهالي «الجورة» هو أن يناموا ويستيقظوا على روائح مياه الصرف الصحي الجارية على الطرقات في كل وقت.. وعلى وعد البلدية بإنهاء مشروع قنوات تصريف تلك المياه ومياه الأمطار.
كان ذلك قبل عام، حين بدأت البلدية بمشروع قنوات تصريف المياه في البلدة. حفّرت الطرقات المحفرة أصلاً لمدّ الشبكة ولم تقفلها إلى الآن. مرت سبعة أشهر والقنوات لا تزال مفتوحة، فيما الأهالي مجبرون على تحمل روائح المياه الآسنة وتحمّل غبار السيارات والشاحنات الذي يتسلل إلى البيوت والمحال التجارية. هذه المشاهد باتت شيئاً عادياً في البلدة: ريغارات مفتوحة. ردميات. حفر عميقة. لافتات «تمنع المرور» رغم توقف الأعمال.
أمام هذا لا يجد الأهالي سوى الشكوى. وفي هذا الإطار، يشكو سامي قرقماز، أحد السكان، من الغبار الذي تسبّبه الشاحنات العابرة على الطريق التي تربط غبالة وجورة الترمس. ذلك الغبار الذي يغمر بيته «لأنو موجود دغري على الطريق»، يقول. حال قرقماز لا تختلف أبداً عن حال طوني لطيف، وهو صاحب محل سمانة وخضار. هذا الرجل الذي تسبب الفجوة العميقة التي لم تقفَل حتى اليوم أمام محلّه «قطع الرزقة». يشير لطيف بإصبعه إلى البضاعة المعروضة في محله ويقول «الزبون بيشتري نص كيلو غبرة مع كل شي بيشتري من عنا». يشرح الرجل مسيرة المشروع الذي توقف العمل به قبل سبعة أشهر، معللاً سبب عدم الإقفال بأن «تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي لم ينجح عبر هذه القنوات، بسبب أخطاء متكررة في الحفر، الأمر الذي أدى إلى تركها على حالها». يؤكد الرجل وجيرانه أن العمل خلال تلك الأشهر «توقف 3 مرات ثم عاد، أما الآن، فلا يبدو أن العودة قريبة». يتابع صاحب المطعم المجاور ما كان يقوله لطيف، فيشير إلى أنه «العمل مش تمام، عم بيع الفروج المشوي مغلّف بالغبرة».
أكد رئيس البلدية روجيه قرقماز، أن «من أولوياتنا معالجة هذه المشكلة، وقد كانت أزمة تصريف المياه سبباً رئيسياً لتتحرك البلدية قبل ثلاث سنوات للقيام بدراسة للمشروع، وفي حينها أعطتنا الدولة مبلغ 72 مليون ليرة، من أجل تأهيل البنى التحتية في الضيعة. وسخرناها في هذا المشروع». متفائل الرئيس بعض الشيء، على عكس الأهالي، وهو يشير إلى أن «الأعمال انتهت في القناة الممتدة من جورة الترمس إلى نهر ذهب، أما بالنسبة إلى الباقي، فهناك مفاوضات مع وزارة الأشغال لتحسين الشروط بعدما فشل المشروع 3 مرات، لصعوبة الحفر في الموقع». وأكد أن «توقيف الأعمال جرى بسبب هذه الصعوبات، ونحن في صدد التعاون مع وزارة الأشغال لإيجاد حل آخر واستكمال المشروع».
لكن، على ما يبدو فإنّ رأي رئيس البلدية لا يوافق عليه أعضاء بلديته، وفي هذا الإطار، يبدي روجيه قرقماز (وهو غير رئيس البلدية)، أحد أعضاء البلدية، اعتراضه على التقاعس في إقفال هذه القنوات. ويتهم الرجل البلدية «التي لم تجتمع منذ مدة، ولم تحلّ مشكلة الحفريات المفتوحة». ويضيف «ارتكب المتعهد أخطاءً كثيرة عند التنفيذ، لذلك ترك المشروع كما هو وذهب»، معلقاً «لا رئيس البلدية يسأل ولا الدولة». نتيجة هذا الأمر، أشار قرقماز، العضو البلدي، إلى «أننا قدمنا إلى قائممقام كسروان ووزارة الأشغال العامة عريضة نطلب منهم عبرها حل المشكلة، بعدما اعترضنا على طريقة تنفيذ المشروع». ويتطرق الرجل إلى مبلغ الـ«72 مليون ليرة الذي قال عنه الرئيس إنه صرف على المشروع»، مشيراً إلى أنه «جرى هدره».
وفي انتظار جلاء «سوء التفاهم» بين وزارة الأشغال والبلدية من جهة، ورئاسة البلدية والأعضاء من جهة أخرى، لا يجد الأهالي حلاً سوى «تسكير» الحفر كلّ أمام بيته. هكذا، عملت إحدى السيدات، التي رفضت ذكر اسمها، على إقفال الحفرة قرب منزلها، بالباطون والزفت. وتقول بسخرية «شو بدي عيش بالغبرة وانطر وزارة الأشغال، لتجي لعنّا وتسكّر جورة بالأرض؟».