لا ينتسب لبنان إلى نادي الطاقة النووية وليس مقدّراً له أن يكون في هذا النادي أصلاً، فيما تسعى مصر والأردن والإمارات بقوة إلى الدخول. عالِم نوويّ مصري آتٍ من الولايات المتحدة، بشّر من بيروت أمس، بأن النقاش العالمي تجاوز المفاعلات النووية التقليدية
بسام القنطار
اجتمع في بيروت أمس ما يزيد على ٥٠ عالماً وخبيراً في شؤون الطاقة من لبنان والسعودية ومصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة والأردن والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وباكستان وماليزيا. يمثّل الحدث علامة فارقة في روزنامة الأنشطة التي تشهدها العاصمة، فبين انشغال الرأي العام بزيارات رؤساء الدول، وبتداعيات المحكمة الدولية، يصبح أيّ لقاء علمي في بيروت على الهامش طبعاً.
التدقيق في أسماء المحاضرين يُخرج الى العلن إشكالية تواجهها الدول العربية منذ عقود، وهي هجرة الأدمغة العلمية الى الدول المتقدمة، ووصولها الى مراكز حساسة. من بين هؤلاء المهندس النووي المصري محمد عبدو. يشغل هذا العالِم، الذي تخرج في الهندسة النووية من جامعة الاسكندرية عام ١٩٦٧، مراكز متقدمة في الولايات المتحدة الأميركية، وهو يدير فريق عمل الباحثين حول «الاندماج النووي»، ويتصدر هذا الحقل البحثي الأولوية في الولايات المتحدة على مستوى إنتاج الطاقة البديلة.
«الأخبار» التقت عبدو على هامش مؤتمر «مصادر الطاقة البديلة والمتجددة»، الذي افتُتح في فندق البريستول أمس، حيث قدم محاضرة علمية عن أسس الاندماج النووي، الذي هو عبارة عن عملية تتجمّع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة أثقل. ويؤدّي اندماج البروتون وهو نواة ذرة الهيدروجين، والديوترون وهو نواة الهيدروجين الثقيل، والتريتيون وهو نواة التريتيوم، دوراً هائلاً في العالم وفي الكون، حيث تنطلق خلال هذا الاندماج كمية هائلة من الطاقة تظهر على شكل حرارة وإشعاع كما يحدث في الشمس، فتمدنا بالحرارة والنور والحياة. فبدون هذا التفاعل ما وجدت الشمس وما وجدت النجوم، ولا حياة من دون تلك الطاقة المسماة الاندماج النووي.
يشير د. عبدو إلى أن المحيطات تحتوي بصورة طبيعية على كميات كافية من الدويتريوم اللازم للتفاعل، فإذا أفلح الإنسان في ترويض تلك الطاقة يمكن تغذية الكوكب بالطاقة لمدة آلاف السنين. ويلفت إلى أنه على الرغم من العدد الكبير من التجارب التي أُجريت في كل أنحاء العالم منذ خمسين سنة، فإنه لم يجرِ التوصل إلى بناء مفاعل يعمل بالاندماج، لكنّ الأبحاث في تقدم مستمر لغرض التوصل إلى ذلك. ويمثّل عام ٢٠١٩ موعداً مبدئياً لتجربة ناجحه يمكن من خلالها بناء مفاعل طاقة على أساس الاندماج النووي، ويتوقع أن يكون هذا المفاعل جاهزاً للاستخدام في غضون عام ٢٠٢٧.
ينظم مؤتمر «مصادر الطاقة البديلة والمتجددة» الأكاديمية العربية للعلوم التي تتّخذ من بيروت مقراً له. وهي منظمة أنشأتها مجموعة من العلماء العرب بناءً على مبادرة من اليونيسكو عام 2002. وتقوم الأكاديمية بدعم العلماء العرب في ميدان البحوث، وتشجع أنشطة البحث والتطوير الملائمة. ويرأس هذه الأكاديمية رئيس الوزراء الأردني الأسبق د. عدنان بدران.
بدران شرح في حديث لـ«الأخبار» عمل الأكاديمية كهيئة استشارية معنية بالقضايا العلمية المتعلقة بالوطن العربي، وقد اضطلعت الأكاديمية خلال السنوات الثلاث الأولى من عمرها بتنظيم مؤتمرين دوليين، عُقد أولهما في بيروت في عام 2003 حول كيفية تطويع التكنولوجيا البيولوجية لمقتضيات الثقافة والقيم؛ وعقد ثانيهما في العاصمة الأردنية عمان في عام 2004 بشأن استخدام التكنولوجيا البيولوجية في صناعة الأدوية وبشأن النباتات الطبية.
يلفت بدران الى أن العالم العربي يحتاج الى أن ينفق 6% من الناتج الإجمالي القومي كحد أدنى لدعم البحث والتطوير بحلول عام 2010 في العالم العربي، فيما لا تتجاوز هذا النسبة ٠.٥ في العديد من الدول، مع الإشارة إلى تقدم ملموس في هذا المجال حقّقته تونس في السنوات الماضية. يستند بدران في معالجته لهذه الظاهرة الى تقرير أصدرته الأكاديمية الأسبوع الماضي عن «مؤشرات العلوم والتكنولوجيا في العالم العربي».
يطلق بدران عبارة «نقاط الأمل» على بعض المبادرات البحثية الجامعية التي تحقّق تقدماً مهماً في مجال البحث العلمي التخصصي، أهمها «معهد مصدر» في أبو ظبي، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا في السعودية، والحاضنة الجامعية التي أُنشئت في الدوحة. يرى بدران أن الافتقار إلى وجود بيئة بحثية هو علة العلل في العالم العربي، فيما تغرق معظم الدول في نزاعات طائفية وتشنجات سياسية تعيق التقدم العلمي والبحثي، بينما تنفق إسرائيل 4.7 من ناتجها القومي على العمل البحثي.
ويشغل موضوع «مصادر الطاقة البديلة والمتجددة»، حيزاً واسعاً من النقاش على المستوى العلمي، وخصوصاً مع تزايد النقاش بشأن مأزق تغيّر المناخ وآثاره الكارثية على العالم، والناتج أساساً عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتج بدوره من الطاقة الأُحفورية التقليدية، وكيفية تأمين بدائل طاقة نظيفة ومتجددة. ولقد تضمّن المؤتمر ما يزيد على ١٥ورقة علمية عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبيوفيول والطاقة النووية، مع التركيز على الاندماج النووي.
ويشير الأمين العام للأكاديمية العربية للعلوم د. إلياس بيضون الى أن أنشطة الأكاديمية تحظى برعاية اليونيسكو، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، واللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي (كومستيك)، وأكاديمية العالم النامي للعلوم.


عالم نووي في بيروت

يتحدث العالم النووي محمد عبدو المقيم في الولايات المتحدة الأميركية بشغف كبير عن زيارته إلى بيروت. وهو يحث الشباب على الانخراط في البحث العلمي المتخصص، وخصوصاً في مجال الطاقة التي ينفق عليها ٣ تريليونات دولار سنوياً. يتحسر عبدو على بلده الأم مصر، التي تبحث في إنشاء مفاعل نووي للطاقة بعد مرور ٣٠ عاماً على فتح هذا النقاش في «أم الدينا». ويلفت عبدو الى وجود أكثر من ٥٠٠ عالم مصري تخرجوا في حقبة الرئيس جمال عبد الناصر وتوزعوا بعدها في أرجاء المعمورة. ويسأل: «هل يمكن أن نتصور ماذا كان يمكن أن يحقق هؤلاء لو فُتح لهم المجال ليبدعوا في بلدهم؟».