أمل ديبلم تشهد جامعة البلمند نقاشاً سياسياً بين الطلاب منذ سنوات. فامتناع إدارة الجامعة عن إجراء انتخابات اللجان الطالبية منذ نحو 5 سنوات عطّل العمل السياسي داخل الحرم الجامعي لتنحصر السجالات في المقاهي وداخل الغرف المغلقة. هكذا، بقي الحديث في السياسة شبه معدوم حتى الأول من أمس، حين استضاف مكتب العلاقات العامة معرض «كتب من الميدان ـــــ مشاهد من أدبيات الحرب»، بالتعاون مع جمعية «أمم للتوثيق والأبحاث».
المعرض الذي يمثّل نافذة على الإنتاج الثقافي عن الحرب، أثار بلبلة في صفوف طلاّب قواتيين. هؤلاء استبقوا افتتاح المعرض بجولة قصيرة على أجنحته، كانت كافية لتسجيل اعتراضهم على النشاط. الاعتراض رفعه الطلاب إلى عميد شؤونهم د. أنطوان جرجس الذي نقله إلى مؤسس الجمعية لقمان سليم ومدير العلاقات العامة في البلمند د. جورج دورليان خلال الجلسة الافتتاحية، بسبب مقاطعة الطلاب المعترضين لانشغالهم بمحاضراتهم، على حد تعبير جرجس.
وقبل أن يتحدّث هذا الأخير، سجّل دورليان ملاحظاته على المعرض، منها غياب أسماء ووجوه بارزة مثل الرئيس إلياس سركيس وبعض الأدبيات الأجنبية والكتب والمراجع التي توثق المرحلة، ولا سيما كتاب «حرب لبنان» لسمير قصير وكتاب «السلام المفقود» لكريم بقرادوني.
لكن الاعتراض الأساسي، وفق دورليان وجرجس، هو على تركيز المعرض على حروب فئة معيّنة من اللبنانيين، أي المسيحيين، وعدم التطرّق إلى حروب الفئات الأخرى، وخصوصاً العامل الفلسطيني.
هنا، يشرح سليم أنّ المشروع لا يزال قيد الإنشاء، وهو مجرّد مدخل إلى قراءة ما يصطلح على تسميته «الحرب»، مشيراً إلى أنّ لكل شخص قراءته المختلفة لوثائق المعرض وللحرب نفسها.
ويستدرك قائلاً إنّ منظمي المعرض خصصوا جهاز كمبيوتر يحتوي على وثائق إضافية لم يتّسع لها المعرض، وهي بتصرّف الزوّار، مبدياً استعداد الباحثين في الجمعية لمرافقة الطلاب في المعرض ومناقشتهم في ما يعترضون عليه.
هكذا صار. فقد حضرت الباحثة د. ماري كلود سعيد، في اليوم الثاني وجالت مع عدد من الطلاب في المعرض. الطلاب القواتيون رأوا بعد التدقيق في محتويات المعرض أنّ هذا الأخير منحاز ضدّ المسيحيين، وتحديداً القواتيين، فكان تمثيلهم على أنهم «الأشرار» من دون التطرّق إلى «شرّ» الفئات الأخرى.
«اللي بيجي وبيقرا العنوان التالي: «دلالة وخطر حركة جعجع الفاشية العميلة ومهام المواجهة الوطنية الشعبية» بتترسّخ براسو فكرة إنو القوات فاشيين وعملاء»، يقول كريستيان، أحد طلاب الجامعة. لكن د. سعيد يلفت إلى أنّ هدف المعرض هو «إظهار هذه اللغة بالتحديد، أي لغة الحرب بمصطلحاتها العنيفة التي هي جزء من أدبياتنا الوسخة التي لا تقل وساخة عن الحرب نفسها».
تسأل إحدى الطالبات: «ليش بدنا نرجع على هيدي اللغة؟».
ترد سعيد، رداً غير مباشر: إننا «نحتاج إلى إعادة قراءة هذه اللغة». يصر كريستيان على موقفه، فيقول إنّ الملصقات تعرض «لغة» طرف واحد موجّهة إلى الآخر. يحتدم النقاش، فتصرخ سعيد «بدّك نشيل المعرض؟ منشيلو! قلّي شو زاعجك؟». يتضّح أن ما يزعج الشباب هو عدم وجود أي من الوثائق التي تندرج في إطار «البروباغندا» القوّاتية خلال الحرب «عنّا 5800 كتاب عن الحرب بمكتبتنا، ليش ما في ولا واحد بيحكي عن رأينا بـ«الآخر» بهالمعرض؟»، يردّ كريستيان.
تبتسم سعيد حين تعلم أن المعرض دفع الشاب إلى البحث في «أدبيات» القوات اللبنانية عن الحرب. تقول: «تحقق ما أردناه، أي دعوة الجميع إلى المشاركة في التوثيق». تضيف: «هاتِ ما عندك وأنا أضيفه إلى المعرض».


جيلان

سمح معرض «كتب من الميدان ـــــ مشاهد من أدبيات الحرب» بفتح باب النقاش بشأن الذاكرة والتاريخ وصورة الآخر والتسميات وغيرها من المواضيع الإشكالية. هذا كان بالضبط الهم الأول للمنظمين. هؤلاء أرادوا إثارة الأسئلة المتعلّقة بجوانب الحرب بغض النظر عن المشاركين فيها، والتذكير بأدبياتها لعلّ ذلك يبعد ويلاتها ويدفع الشباب إلى التفكير بالواقع، كما يقولون. يتهكّم جواد، أحد طلاب الجامعة، قائلاً: «أول مرّة بالتاريخ اللبناني بيخلص خلاف بالتوافق». أما الحل فهو وضع ملاحظات توضيحية تحت كل ملصق أو غلاف كتاب أو وثيقة أو مستند عن المصدر والزمان والخلفية، تحديداً في ما خصّ الوثائق المتعلّقة بالقوّات اللبنانية (7 وثائق). يتمنى المنظمون لو أنّ الطلاب طلبوا وضع توضيح تحت جميع المستندات. لكنهم أبدوا ارتياحهم لكون المعرض حقق غايته، أي الحوار بين جيلين بشأن حرب، ربما لم تنتهِ بعد.