تدفع كلفة التعليم المرتفعة الأهالي إلى اختيار وسائل النقل الأقل تكلفة من المدرسة وإليها، من دون أن يعوا فعلياً عواقب اختيارهم باصاً غير مؤهل في كثير من الأحيان. وتشارك الإدارات المدرسية السائقين والأهالي هذه المسؤولية، فالأغلبية الساحقة لا تراقب عمل هؤلاء. أما الباصات نفسها فمجرد هياكل مرتجلة تعد بموت كارثي بدلاً من إيصال الامانة إلى المدرسة
الكورة ــ فريد بو فرنسيس
كل صباح وأنت تتنقل بين منزلك ومكتبك، قد تتوقف في زحمة سير خلف «فان»، ينتحل صفة «الاوتوكار»، لنقل الطلاب إلى مدارسهم. هذا التوقف يصبح مناسبة لتأمّل مشهد يكاد يكون لا يصدق: باصات ارتجلت لها أبواباً من قضبان حديدية يحبس الأطفال خلفها كالأغنام، يتكدسون بعضهم فوق بعض، على مقاعد مرتجلة بأغلبها من الحديد، ومن دون مراعاة لأدنى إجراءات السلامة العامة. تسير السيارات فيقلع الباص «ناتعاً» معه الاطفال الذين زادت همروجتهم وضحكاتهم فرحاً بتلك «اللعبة». تفكر في ما قد يحدث، لا سمح الله، لو وقع أحدهم خلال تلك «النتعة». غير طبيعي شكل هذه الباصات التي تشبه صناديق حديدية لنقل المساجين، أو هياكل سيارات لا تصلح لتكون حتى أقفاصاً للدجاج. منها ما ينقصه زجاج في الأبواب الرئيسة أو في النوافذ، فاستبدله بأكياس من النايلون الشفاف. طلاب يكادون أن يموتوا اختناقاً من الضغط المتزايد بسبب عدد الركاب المزجوج بهم داخلها طمعاً في ربح أكبر. باص يتسع لـ12 راكباً، في داخله اكثر من 20. باصات لجأ اصحابها إلى تركيب شباك حديدية مكان الباب الخلفي للتهوئة، إلا أن الطلاب مكدسون داخلها لدرجة أنه لا مكان لأيديهم في الداخل فيخرجونها من النوافذ، معرضين لخطر اصطدامها بآلية ما، رؤوسهم تلتصق بالزجاج، وعند اول «دعسة على الفرامل» يصبحون فوق... السائق. أما حقائبهم الثقيلة فغالباً ما تكون مربوطة على سطح الباص صيفاً وشتاء.
القانون رقم 551/96 المتعلق بوسائل نقل الطلاب، يمنع في مادته الأولى منعاً باتاً نقل تلامذة المدارس في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي، من دون وجود مراقب مسؤول في كل وسيلة نقل. وبحسب المادة الثالثة من القانون، يجب على كل مالك وسيلة نقل، «إجراء عقد تأمين للباص المستخدم، على أن يغطي التأمين جميع الأضرار التي قد تنتج من حوادث السير وخلافها أثناء النقل». في بلدة ضهر العين – قضاء الكورة، تروي كوليت نجم لجارتها أنه «في الأمس القريب اخبرني رفاق ابنتي في الباص أنها «انشلحت» منه على جانب الطريق «عند اول كوع على طريق المدرسة»، والسبب هو السرعة الزائدة لسائق الباص من جهة، ولعدم وجود باب يحمي الطلاب من جهة أخرى، الحمدالله انها لم تصب بأي أذى». وقالت «لم أدّع على السائق لكوني أشفقت عليه، لكني قررت أن أدفع إيجار سيارة خاصة توصل ابنتي وتعود بها من وإلى المدرسة». تضيف: «هذه المرة زمطنا ولكني لن ادعها تتكرر».
أخبرني رفاق ابنتي في الباص أنها «انشلحت» منه عند أول كوع
حال هذه الأم هو حال معظم الامهات اللواتي يرسلن اولادهن الى المدارس في مثل هذه الباصات. لكن هل يدرك الاهالي الذين يوصلون أولادهم بأنفسهم الى مركبات الموت هذه، مسؤولياتهم؟ ان شروط السلامة في النقل المدرسي التي تقع على عاتق الأهالي تحتم عليهم «إيصال أولادهم شخصياً إلى المدرسة، واستعمال جسور المشاة والأرصفة، وألا يسيروا عكس السير مع جعل الطفل يمشي بجانب أهله من جهة الداخل بعيداً عن حركة المرور. عند المشي الجماعي، يجب السير فرداً فرداً الواحد خلف الآخر. وعدم وضع سماعات الأذن للاستماع إلى الموسيقى لأنها تمنع سماع صوت اقتراب المركبات وزماميرها التحذيرية، وعدم التردد في طلب المساعدة من شرطي السير في الحالات الصعبة. وعند حال ايصال الأهل أولادهم بالسيارة، عليهم القيادة بحذر وتجنب السرعة حتى في حالة التأخر، ومراعاة أصول السلامة داخل السيارة من حيث استعمال الكراسي وأحزمة الأمان بشكل صحيح، ومنعهم من مد رؤوسهم وأيديهم من النوافذ أو عبر فتحة السقف. كذلك على الأهل ايصال الأطفال إلى داخل حرم المدرسة وتنبيههم إلى طريقة الانتظار للعودة إلى المنزل» هذا ما يقوله القانون، فهل هذا ما يحدث؟ بالطبع لا.
يشرح مدير مدرسة الفرير في دده – الكورة، سليم جريج، لـ«الأخبار»، أن لا سلطة للمدرسة على الباصات الخاصة لناحية مطابقتها المعايير المطلوبة لنقل الطلاب، إلا أنه اشار في الوقت عينه «الى أن المدرسة تتدخل فوراً لدى ورود أي شكوى من الاهالي حول هذا الموضوع». وأضاف «هناك ثلاثة شروط اساسية للسماح للباص الخاص بنقل الطلاب الى مدرستنا: الاول هو التأمين الإلزامي للباص، الثاني هو التأمين الإلزامي للطلاب، وحيازة رخصة سوق عمومية». ولفت جريج إلى «أن الباصات الخاصة بالمدرسة تخضع دورياً وكل ثلاثة اسابيع تقريباً للمعاينة والكشف من لدى شركة خاصة، فسلامة الطالب وراحته هي من الاولويات في المدرسة».
لكن، اذا كانت هذه المدرسة تراقب باستمرار باصاتها، فهل يعني هذا أن الامر معمّمٌ على جميع المدارس، أم أن هناك بعضاً منها لا يهتم أو لا تعنيه هذه الناحية؟ مسؤوليات إدارة المدرسة بحسب القانون 551/96 واضحة لناحية التأكد من فصل مواقف المركبات عن ساحة المدرسة بحواجز مناسبة تمنع تجاوز التلاميذ العشوائي لها، ووضع مراقب داخل كل باص مدرسي. فأين هم هؤلاء المراقبون؟ ويقع على عاتقها توعية سائق المدرسة حول طبيعة مهمته وخاصيتها، لكونه المسؤول عن حياة ركابه وسلامتهم عبر اتخاذه أقصى درجات الحيطة والحذر، فمن يقوم بذلك؟ اما الصيانة الدورية الهيكلية المنصوص عليها، لا سيما لجهة التأكد من حال الإطارات والفرامل وصلاحية المقاعد وأحزمة الأمان، فلا تستثير من المدرك لوضع «اوتوكارات» المدارس الحالية الا السخرية.
امش خلف باص اولادك وراقب: من يستعمل الأضواء الجانبية أثناء التوقف؟ من يتوقف بمحاذاة الرصيف الأيمن عند صعود التلاميذ أو نزولهم ولا ينزل التلامذة وسط الطريق؟ من منهم يدرك أنه أثناء نزول التلامذة وصعودهم للباص لا ينبغي ترك مسافة لمرور سيارة بين الباص وباب المدرسة؟ راقبهم وستموت هماً.