جوانا عازار«اسمها لم ينزل على خريطة لبنان. بحثت عنها طويلاً، وأنا على مقاعد الدراسة، أثناء درس الجغرافيا، أين موقعها؟ أين اسمها؟ أغفله واضعو حدود لبنان. لماذا؟ ألأنها لم تعارك غيرها من البلدات؟ لم تغز وتفترس؟ لم تبنِ ما يسمّى أمجاداً حربية على حساب الآخرين؟»، يتساءل ابن بلدة فتري، مجيد حاتم عن بلدته على خريطة البلاد، مردّداً لـ«الأخبار» ما سبق أن دوّنه في كتابه عن البلدة «فتري قرية من وادي أدونيس». هي البلدة الجبيليّة التي يغسل قدميها نهر إبراهيم، وتنطبق عليها مواصفات القرية اللبنانية: ذات المناخ المعتدل صيفاً وشتاءً، الرائعة الطبيعة، التي تعاني الحرمان، شأنها في ذلك شأن بلدات قضاء جبيل، لا بل كل القرى اللبنانية النائية، أو الواقعة في ما يُعَدّ أطرافاً.
وفتري ذاع صيتها مقصداً لمن ينشد الهواء النقيّ، وخصوصاً المصابين بأمراض الربو والتنفّس وغيرها. كان يمكن أن تستغل طقسها ذاك على الأقل للسياحة الصحية، فارتفاعها عن سطح البحر يبدأ بمئة متر ليصل إلى 850 متراً، وهي مدخل وادي نهر أدونيس، المشرفة عليه. صخورها شاهقة وواديها سحيق، وفيها جرى جزء من أسطورة أدونيس وعشتروت، كما يشير الأب أنطوان ضوّ الأنطوني في تقديمه كتاب حاتم.
أمّا طقسها النموذجيّ، فيشرح عنه حاتم قائلاً: «إنّ بلدة فتري تظلّ بصورة عامّة معتدلة المناخ صيفاً وشتاءً، برغم امتدادها على سفح يتراوح علوّه بين مئة متر و800 متر عن سطح البحر، فمياه النهر، الوادي، الشير والشجر، تخفف حرارة الهواء صيفاً وترطّبه. فيصعد متبرّداً، أو ينزل من الجبل بارداً، وقد مرّ فوق ثلجه، ليجعل المناخ منعشاً ناشفاً معتدلاً، حتّى في المنطقة التي تقع ما دون ارتفاع 500 متر». كذلك، فإنّ مواجهة السفح للجهة الجنوبيّة الغربيّة، تجعله مسلطاً لأشعّة الشمس، وفي مأمن من الرياح الشماليّة التي يصدها عنه جبل معيان. هذه المواجهة تجعل فتري معتدلة المناخ شتاءً، فلا يصمد الثلج في أعاليها إلا ساعات أو أيّاماً قليلة في ما يسمى «العيانات القاسية»، أي العواصف الشديدة، التي تصل فيها كثافة الثلج إلى أكثر من 20 سنتيمتراً. ونادراً ما يغطّي هذا الثلج المنطقة دون 500 متر.
وبحكم موقعها، فالرياح الغربيّة الجنوبيّة الصاعدة عبر الوادي، تكشح عنها الضباب الذي يلف بعض مساءاتها، وتذهب به إلى السفوح المجاورة. فهي إذاً صافية الجوّ، مقمرة الليالي ومشرقة الأيّام. جو لا يزال يستفيد منه سكان البلدة (نحو 2250 نسمة) وحدهم، ففتري الضائعة بين إهمال الدولة وغيابها عنها لا تزال تخفي كل كنوزها.