سعيد خطيبيأسهم سعيد ولد خليفة في بروز وجوه كوميدية شابة كثيرة. تعالج أفلامه قضايا اجتماعية ووقائع تاريخية حرجة. يرى هذا المخرج أنّ صناعة الفن السابع في الجزائر «لم تعرف عصراًَ ذهبياً إلا على صعيد الكمّ. أُنتج عدد كبير من الأفلام، لكنّ القليل منها فقط صمد أمام تحوّلات الزمن».
يعيش الرجل الخمسيني اليوم بين الجزائر وفرنسا. يشتغل بعيداً عن الضغوط الداخلية، ويؤمن بقدرته على منح سينما بلد المليون ونصف المليون شهيد نفساً ودفعاً جديدين. عاد ولد خليفة إلى واجهة الأحاديث الإعلامية، مع بدء العدّّ العكسي لانطلاق تصوير فيلمه الجديد «زبانا» الذي يرسم سيرة أحمد زبانا (اسمه الحقيقي أحمد زهانا)، أحد رموز جبهة التحرير الوطني، مطلع الخمسينيات الذي استشهد تحت المقصلة الكولونيالية (1956)، ولما يتجاوز عقده الثالث.
يندرج هذا الفيلم التاريخي ضمن موجة الأفلام الثورية المدعومة من المؤسسة الرسمية، ومن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة شخصياً، على اعتبار أنّها تخدم صورته، وترد الاعتبار إلى مسيرته النضالية التي لا يعرف عنها المؤرخون الشيء الكثير. لكنّ ولد خليفة ينفي عن نفسه تهمة الانخراط في هذه «الموضة»: «لا نبحث عن إثارة سجال، أو حساسيات جديدة عبر فيلم «زبانا». سنشتغل على إعادة بناء ملامح الشخصية ومحطات من حياتها النضالية. تهمنا الخصوصية الجمالية في الفيلم، لا الأقاويل والصدامات الهامشية». بكلامه هذا، يشير ولد خليفة ضمنياً، إلى مسعى تجنّب المنعرج الذي خاضه فيلم «خارجون عن القانون» لرشيد بوشارب، والأخطاء التصويرية التي نجدها في شريط أحمد راشدي «أسد الأوراس» عن المناضل مصطفى بن بولعيد.
سعيد ولد خليفة ليس من النوع الذي يميل إلى الثرثرة. يتحدث قليلاً، ولا يجيب إلا على السؤال. «حين فكرت قبل أكثر من ثلاث سنوات في صناعة فيلم عن أحمد زهانا، بدأت البحث والتنقيب حول حياة الشهيد، مستعيناً بأرشيف من الجزائر وفرنسا، وبتقارير الشرطة الاستعمارية. وجدت أننا لا نعرف الكثير عنه».
حقائق تاريخية غير معروفة ينتظر أن يكشف عنها فيلم «زبانا» الذي ينطلق تصويره في وهران، مطلع الشهر المقبل، على أن يصدر في حزيران (يونيو) 2011.
يتذكّر ولد خليفة معنا بداياته في السينما. «مدرستي الأولى كانت الصالات السينمائية التي شرعت في مراودتها منذ السادسة». هكذا، تشبّعت مخيلته بالصور، ونال نصيباً من الوعي والتراكمات. «أتذكر أنني كنت أشاهد سنوياً ما يقارب 300 فيلم في «سينماتيك الجزائر»».
إذاً، ولد شغف السينما باكراً لديه، فقرّر لاحقاً متابعة دراسات أكاديمية متخصصة. هكذا، حاز دكتوراه في «السينما والتاريخ» من «جامعة السوربون» بإشراف المؤرخ والسينمائي الفرنسي مارك فيرّو صاحب «الكتاب الأسود للاستعمار» (2003).
لا يخفي ولد خليفة تأثره بأسماء معروفة أسهمت في صقل تجربته الذاتية ورسم معالمها. «أفلام انغمار برغمان ألهمتني كثيراً، إضافةً إلى أعمال بازوليني وأنطونيوني، والمصري توفيق صالح». أما الانتقال من الشغف بالسينما والكتابة عنها، إلى امتهانها، فلم يكن أمراً يسيراً. انتظر سعيد ولد خليفة حتى عام 1991، لينجز باكورته الروائية الطويلة، تحت عنوان «الظلال البيضاء». يحكي الشريط قصة عالمة آثار شابة وجميلة، يعترض الجيران على سكنها قربهم، لأنّها لا تزال عزباء «وتثير الشبهات». فيلم نجح في نقل جوانب من بدايات الفكر التطرفي والنظرة الاجتماعية الضيقة، في جزائر نهاية الثمانينيات.
في التسعينيات، على غرار كثير من المبدعين والسينمائيين الجزائريين، تراجع حضور ولد خليفة، بسبب اتساع حضور الجماعات الإسلامية. لكنّه قرّر العودة مطلع الألفية الثالثة، مع شريط بعنوان «شاي آنيا» (2004). يحكي فيه يوميات الروتين والقلق والتيه التي تلف حياة مهدي، وهو روائي جزائري، يعمل في مصلحة الجنازات في البلدية. جارته في العمارة نفسها، آنيا، تُعدّ له الشاي يومياً. يتخذ الفيلم خلفيةً له الأحداث الدموية التي شهدتها الجزائر خلال التسعينيات.
عمل ولد خليفة طوال عقدين في مجال الصحافة المكتوبة. امتد تأثير مهنة البحث عن المتاعب إلى عمله السينمائي، فتطرق للممنوعات والمحرمات في فيلم «عائشات» (2006).
استعاد في هذا الشريط أحداث العنف التي عرفتها منطقة حاسي مسعود الصحراوية في الجنوب الجزائري عام 2001. اقتحمت يومها عصابات من الرجال الملثمين بيوت عاملات في شركات النفط الأجنبية، وأشبعنهن تعنيفاً وضرباً مبرحاً ورجماً، بحجة «ممارسة الرذيلة».
معظم من تعرضن لتلك الاعتداءات كنّ يقمن وحدهنّ. قضية أثارت حينها ردود فعل كثيرة، داخل الجزائر وخارجها، وأرّخ لها سعيد ولد خليفة بالصوت والصورة.
ينطلق سعيد ولد خليفة قريباً، في تصوير فيلم «زبانا». وبعدها مباشرة، يشرع في الإعداد لفيلم جديد «يجسد فيه الشاب خالد دور خياط، في أحد أحياء وهران، ويعيش مغامرات تعكس تحوّلات الحياة في الجزائر وتقلباتها».
وهو يرى أنّ «السينما العربية تعاني طغيان التعاطي مع الفن السابع على طريقة المسلسلات التلفزيونيّة، ما يسهم في تشويه صورة السيناريو، إضافةً إلى غياب سياسة عمل واضحة. السينما الجزائرية تعاني بدورها من عطب منذ عشرين سنة».
أما الخروج من عنق الزجاجة، فلن يتأتى برأيه إلا مع «الابتكار، لا بإعادة اجترار تجارب السنوات الماضية». ثم يطرق قليلاً، ويختصر الموقف كالآتي: السينما الجزائرية «في حاجة إلى جيل جديد من المنتجين القادرين على تأسيس تجربة جديدة».


5 تواريخ

1955
الولادة في تونس

1969
بدأ العمل في مجال النقد السينمائي بين الجزائر وفرنسا، واستمرّ حتى عام 1989

1991
أنجز باكورته الروائية الطويلة «الظلال البيضاء»

2004
شريطه الروائي الثاني «شاي آنيا»

2010
يستعد لتصوير فيلم تاريخي بعنوان «زبانة» وآخر يؤدي بطولته الشاب خالد