غطّ الحمام، طار الحمام»، لكنه في منطقة الأوزاعي ممنوع من الطيران؛ فطيرانه قد يسبب كارثة لحركة الملاحة الجوية في مطار بيروت. هكذا، منعت السلطات منذ أعوام «كشّاشي الحمام» في الأوزاعي من ممارسة هوايتهم. لكن هؤلاء غير مقتنعين بأهمية هذا القرار. لا بل إن بعضهم يتشكك في أنه «يمكن حمامة تنزّل طيارة»، لذا فهو ما زال «يكش» حمامه
قاسم س. قاسم
«هلّق الحمام بيوقّع طيارة؟ أصلاً شو بدو يفوّت حمامة بموتور الطيارة». لا تعرف إن كان محمود عساف ابن منطقة الأوزاعي يحاول أن يقنعك أو يقنع نفسه بأن هوايته، «كش الحمام» لا تسبب خطراً على سلامة الطائرات التي يحلق بعضها تماماً فوق منزله. يسهب الشاب العشريني الذي يبدو حين تسمع حديثه «التقني» كأنه مهندس طائرات، بالدفاع عن وجهة نظره، قائلاً: «الطائرة مصنوعة من الألومنيوم، وشفرات محركاتها لن تتأثر بكتلة صغيرة مثل الحمام، إذا كانت تعمل بسرعتها القصوى». يحاول عسّاف أن يقنعك بهدف تأكيد وجهة نظره، فيضيف ساخراً: «هل تتصوّر أن المهندسين الذين صمموا طيارة بتمشي على الكومبيوتر، لم يفكروا برأيك بموضوع شي حمامة فاتت بالموتور أو ضربت بزجاج الطائرة؟»، ينظر إليك كمن يتفحص وقع حججه عليك، ثم يضيف: «كمان ما تنسى في محركين، إذا وقف واحد التاني بيضلوا عم يشتغل». يصمت الشاب، يتأمل وجهك بانتظار جوابك. ترد بالقول إن الدولة أصدرت قانوناً يمنع أبناء المنطقة من كشّ الحمام لضمان سلامة المطار، وخصوصاً أن حوادث سقوط الطائرات بسبب الطيور ليست مزحة، إذ سقطت في عام 1988 طائرة إثيوبية في مطار أديس أبابا عندما اصطدمت بسرب من الطيور، ما أدى إلى مقتل 31 راكباً من أصل 105 كانوا على متنها. «إيه، بعرف أول فترة طبقوه للقانون ومنعونا من تربية الحمام، بس بعدين صارو يطنشوا»، كما يقول. يقرر عساف أن يأخذك إلى سطح منزله، بعدما رأى أنك لم تقتنع بما قاله. ينبئك هديل الحمام بأنك اقتربت من وجهتك. تصعد إلى السطح الفسيح، يفتح باب قفصه الكبير، يريك ثروته من الطيور «حيلتي وفتيلتي» كما يقول، ثم يبدأ بشرح أنواعها، «عندك الهزّاز، لأن رقبة الطير راجعة لورا، وعندك الطير الباكستاني». ثروة عساف هي «أربعون طيراً و20 زغلولاً». يضيف: «هلق بتشوف كيف بكش الحمام، وبتتأكد بعينك كيف ما منقرب صوب المطار وما بصير شي للطيارات». يضيف ضاحكاً: «تأكد ما رح نوقع شي طيارة نحنا وقاعدين». يبدأ عساف بتجهيز «القعدة»، يحضر رأس أركيلته وركوة القهوة. يخرج الشاب حماماته من الأقفاص، ويطيّرها. يتحدث عساف عن الفترة التي اتخذت فيها الدولة قراراً بمنع كش الحمام، وكيف كانت دوريات الدرك «تدهمنا، ومنعونا لفترة، لكن يبدو أنهم ملّوا منا، بعدما وجدوا أننا لا نزال نمارس هذه الهواية»، كما يقول. فجأة يبدأ الشاب بالصفير، «فاتوا الكشتين ببعض» يقصد سرب حمامه بسرب آخر يتبين أنه منافس. تتأمل السماء فتجد أن أعداد الحمام ازدادت «فاتت كشتي بكشة ابن المقداد» يقول لمزيد من الشرح. «إذا ما رح نزّلك 3 طيور يا مقداد ما بكون اسمي محمود» يقول الشاب. لحظات وتهدأ المعركة الفضائية. لم يكسب محمود أي طائر يضيفه إلى ثروته. تعود إلى حديثك معه، تسأله: «شو بتعمل إذا رجعوا منعوكم من كشّ الحمام». يجيب: «منوقف فترة، منرجع منكشّّ، مش واقفة علينا، خليهم يروحوا يفتشوا على الحرامية، ضاقت بعينهم ساعتين بالنهار منكشّ فيهم؟».
هكذا، لا يزال كشاشو منطقة الأوزاعي يخالفون القانون، حتى إنهم أصبح لديهم واسطات عند القوى الأمنية، حسب ما يقول صاحبنا. ففي بعض الأحيان «بخبرونا قبل بوقت إنو جايي كبسة»! تترك الشاب ملتهياً بحمامه، تقصد البيوت الأقرب للمطار. يجلس حسين الحركة على سطح منزله. الشاب الثلاثيني لديه هواية مراقبة الطائرات. يحدثك بقلق عن مشكلة «كش الحمام، إذ يمكن الطير أن يُسقط طائرة» فوق رؤوسهم طبعاً. يضيف: «من يومين (منذ فترة) قالوا نزلت الطيارة الأوكرانية بسبب طير، طلعت المشكلة عطل تقني، شو بيمنع

صدر قانون يمنع أبناء المنطقة من كشّ الحمام لضمان سلامة المطار

بكرا تنزل الطيارة من ورا كش الحمام؟». هكذا، يشير الحركة إلى المدرج الغربي للمطار. يشرح عملية هبوط الطائرات: «أحياناً تستعمل إدارة المطار هذا المدرج، فتمر الطائرات فوق البيوت مباشرة». يسألك: «ماذا يمكن أن يحصل إن دخل سرب من الحمام في محرك الطائرة وهي تهبط؟ بالتأكيد ستسبب كارثة، إذا لم تسقط الطائرة على المدرج فإنها ستسقط فوق المنطقة، ما سيسبب كارثة من أجل كشّ الحمام» يقول. المنظر من سطح منزل الحركة لمنطقة الأوزاعي أشمل، إذ يمكنك أن ترى معارك كشاشة الحمام التي تدور في فضاء الاوزاعي. ويمكنك أن تشاهد الحمامات وهي تستريح على أعمدة الإنارة القديمة المنتشرة بين البيوت، التي كانت تستعمل لإنارة مدرج المطار. لكن ما موقف القوى الأمنية من هذه المخالفات؟ وهل هي تعمل جدياً على ضبطها، وخصوصاً أن مثل هذه المخالفات قد تسبب كارثة للبنان؟ يجيب أحد ضباط قوى الأمن الداخلي، الذي يخدم في الضابطة الإدارية والعدلية منذ قرابة سنتين في مطار بيروت الدولي والذي رفض الكشف عن اسمه، قائلاً: «هذه من مسؤوليتنا في الضابطة، وخلال فترة خدمتي فيها لم نقمع أي نوع من هذه المخالفات». أما كيف يجري العمل في ضبط هذه المخالفات، فيقول: «يُبلغ برج المراقبة، إذا لاحظ أي مخالفة مثل كش الحمام من أي جهة كانت، الفصيلة التي تقع ضمنها هذه المخالفة، فيرسل برقية لعمليات الدرك التي تتابع بدورها الموضوع وتعالج أمر المخالفة». وكيف يكون التعامل مع هذه المخالفات؟ هل يكفي الأمر بإنزال السرب من الفضاء؟ «بالطبع لا، إذ يُحَرّر بالمخالف ضبط قيمته ثلاثة ملايين ليرة». أما السؤال الذي يتبادر إلى الذهن فهو: «ألم تلاحظ القوى الأمنية وبرج المراقبة طوال السنتين السابقتين أنّ هناك مخالفات؟»، «نعم، لاحظنا ذلك، لكنها صادفت طوال تلك الفترة أن أسراب الحمام كانت بعيدة عن مدرج المطار وعن حرم المطار نفسه».