حوادث السير باتت خبراً عادياًمحمد نزال
رغم كل المؤتمرات والندوات والمؤتمرات الصحافية، ورغم كل ورش العمل التوعوية ولافتات التحذير المنتشرة في الشوارع، ورغم كل الضجيج التنبيهي الذي تصدره جمعيات ومنظمات من المجتمع المدني، يستمر مسلسل حوادث السير في حصد أرواح المواطنين على الطرقات، دون أن يُسجَّل انخفاض كبير في عدد هذه الحوادث، وما تخلّفه من قتلى وجرحى.
أمين سر جمعية الـ«يازا»، كامل إبراهيم، رأى أن المسؤولين في الدولة، وكذلك عامة الناس، لا تصدمهم أعداد القتلى الذي يذهبون ضحايا هذه الحوادث، ربما لأنهم «يموتون بالتقسيط، فقد رأينا كيف صُعق لبنان كله بخبر سقوط الطائرة الإثيوبية التي راح ضحيتها نحو 100 قتيل، علماً أن نسبة ضحايا حوادث الطائرات أقل بكثير منها في السيارات، فبدءاً من الآن ولأعوام طويلة ربما لن نشاهد حادث سقوط طائرة آخر، لكن إذا ظلت الحالة على ما هي عليه فإننا حتماً سنسمع عن 600 قتيل وربما 700 أو 800 في نهاية هذا العام، وكذلك في الأعوام المقبلة، هذا فضلاً عن آلاف الجرحى الذين يصبح بعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة».
أول من أمس، سُجل وقوع أكثر من 10 حوادث سير في مختلف المناطق اللبنانية، أدّت إلى سقوط قتيل و17 جريحاً. أمّا يوم أمس، فقد سُجّل وقوع أكثر من 12 حادثاً، أدّت إلى سقوط قتيلين و10 جرحى. هكذا، أصبح الموت على الطرقات، وبنسب أكثر ارتفاعاً مما سجل خلال اليومين الماضيين، خبراً عادياً، لا يستدعي استنفاراً من جانب جميع المسؤولين في الدولة لمعالجة هذا الموت، فالمسؤولية في هذا الموضوع، على حد تعبير أحد الناشطين في التوعية من مخاطر حوادث السير، تطاول رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزارة الأشغال والنقل ووزارة الداخلية والبلديات وكل الوزارات المعنية، إضافةً إلى القوى الأمنية المعنية بشؤون السير، فضلاً عن مسؤولية المواطن الذي يقود السيارة تجاه نفسه.
أمس سُجّل وقوع أكثر من 12حادثاً، أدّت إلى سقوط قتيلين و10 جرحى
في السابع من شهر أيلول الماضي، شهدت منطقة الجيّة حادث سير مروّعاً أدّى إلى سقوط 6 قتلى و20 جريحاً. بعد ساعات على الحادث، عقد وزير الداخلية والبلديات زياد بارود مؤتمراً صحافياً عاجلاً، كان ذلك في شهر رمضان، واستمر المؤتمر إلى ما بعد حلول موعد الإفطار. تحدّث الوزير آنذاك عن طلبه من الحكومة شراء رادارات للسرعة لأنها تمثّل ركناً أساسياً في الخطة الموضوعة للحد من تفاقم حوادث السير. اليوم، بعد مضي شهر ونصف شهر على تاريخ المؤتمر الصحافي، لم يُعلن شيء عن الرادارات المذكورة. بيد أن أوساطاً متابعة لشؤون وزارة الداخلية أشارت لـ«الأخبار» إلى أن الحكومة لم تبتّ لغاية الآن صرف ثمن الرادارات، علماً أنّ «البنك الدولي ذكر أخيراً أنّ الكلفة الاقتصادية لقتلى حوادث السير في لبنان سنوياً تبلغ مليار دولار، ومع ذلك فإن الحكومة لم تقرّ حتى الآن صرف مبلغ مليونين ونصف مليون دولار أميركي ثمناً للرادارات المطلوبة، وهذا المبلغ يمثل ما نسبته 2.5 من تكلفة المليار دولار، فبأي عين ترفض الحكومة أمام المواطنين إقرار صرف هذا المبلغ». من جهة ثانية، ترفض الأوساط تحميل وزارة الداخلية وحدها المسؤولية، فها هي تضع الخطط وتحدد مكامن الخلل، لكن للأسف التنفيذ مرتبط بقرارات الحكومة، وعلى سبيل المثال، فليتخيّل البعض أن رادارات السرعة قد سُحبت من فرنسا، البلد الراقي والمنظم، فهل ستبقى أعداد حوادث السير هناك كما هي الآن؟ حتماً لا، سنجد أن عدد القتلى والجرحى قد ارتفع بنسب أعلى مما هو موجود في لبنان.
من جهته، أكّد وزير الداخلية والبلديات، زياد بارود، أن نسبة حوادث السير انخفضت أخيراً، ربما ليس كثيراً، ولكن في الواقع «لولا حملات التوعية والإجراءات لكان الوضع قد أصبح مأساوياً أكثر»، لافتاً إلى أن حالة الطرقات تُعدّ عاملاً أساسياً في تفاقم الحوادث، التي يجب أن توضع عليها جميعها، وعلى جوانبها، الخطوط البيضاء والصفراء، التي يمكن أن تساعد حتى في ظل انقطاع التيار الكهربائي عن بعض الطرق، ولكن هذه الأمور هي مسؤولية مشتركة بين عدد من الوزارات. وفي حديث له مع «الأخبار» لفت بارود إلى ضرورة إنشاء وحدة متخصصة في شؤون السير لدى القوى الأمنية، عملاً بمبدأ الاختصاص، وعدم الاكتفاء بمفارز السير التي لا تعمل حالياً بطريقة تخصصية، مشيراً إلى أهمية توعية المواطنين لكي تصبح السلامة المرورية «ثقافة لدى كل مواطن، ففي هذا المجال يمكننا القول إننا استطعنا تحقيق إنجاز على صعيد حزام الأمان، بحيث تبيّن في دراسة أعدّت أخيراً أن نسبة 87 بالمئة من الذين يضعون حزام الأمان باتوا يفعلون ذلك من منطلق قناعة شخصية بضرورة هذا الإجراء». وختم بارود بالإشارة إلى أنه بدأ سعياً مع إحدى الدول العربية لتأمين هبة مالية، بغية تغطية ثمن الرادارات المطلوبة، البالغ عددها 50 راداراً مبدئيّاً.


نكايات «ديليفري»

في إطار حملة التوعية تجاه حوادث السير، أعدّت جمعية «كن هادي» 1200 خوذة واقية لتوزيعها على الأشخاص العاملين في خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل على الدراجات النارية (الديليفري)، إضافةً إلى 850 خوذة ستُقدم إلى القوى الأمنية العاملة في مجال السير. وبحسب ما أكّدت المسؤولة في الجمعية، لينا جبران، فقد وُزّع عدد من الخوذ على بعض العاملين في المطاعم، وذلك من ضمن حملة توعية تشمل الجامعات والمدارس والمحال التجارية. من ناحية ثانية، فرضت بعض المطاعم على العمّال لديها حضور محاضرات التوعية المشار إليها، لكن في وقت باكر جداً مقارنةً بدوام عملهم، إلّا أنّ بعض هؤلاء ذهبوا على الدراجات النارية بسرعة جنونية، وذلك «نكايةً بفرض هذا الإجراء من أرباب العمل»، على حد قول أحد هؤلاء.


لقطة

توفي الفتى طلال قاسم (17 عاماً)، أمس، نتيجة تعرضه لحادث صدم سيارة من نوع «ب أم» على طريق الروشة ـــــ بيروت. كان الفتى إلى جانب شقيقته، التي نجت بأعجوبة، وظلت واقفة إلى جانب الطريق مذهولة وعاجزة عن النطق بعد الحادث. يُشار إلى أن منطقة الحادث ليست معدّة للسير السريع، ولكن مع ذلك فإن شهوداً عياناً أكّدوا أن السائق كان يقود بسرعة جنونية. قيادة «الانتحار» هذه، على حد وصف الوزير زياد بارود، تؤكد أن ثمة مسؤولية على المواطنين تجاه أنفسهم، فضلاً عن مسؤولية الدولة، فمن «يردِ الانتحار ووضع حد لحياته، فليفعل ذلك وحده، دون أن يقتل أحداً معه»، مؤكّداً أن القوى الأمنية ستعمد إلى التشدد في إجراءات ضبط السلامة المرورية، لكي لا نقول إجراءات قمعية، وذلك تجاه جميع المخالفين بلا استثناء