كاريتاس ونقابة أصحاب مكاتب استقدام العمال الأجانب تفاهما على العمل معاً لتحسين ظروف العمالة الأجنبية في لبنان. السفراء المعنيون حضروا حفل التوقيع وصفقوا للطرفين. أما سفراء اوروبا التي تموّل هذه الأنشطة، فينتظرون أن تزول الى الأبد مظاهر «العبودية الحديثة»
بسام القنطار
حرص السفير الدنماركي في لبنان، يان توب كريستنسن، على أن يجلس أمس الى جانب سفراء دول سريلانكا والفيليبين ونيجيريا والتوغو والنيبال، في اللقاء الذي شهد توقيع اتفاقية تعاون بين كاريتاس – لبنان ونقابة اصحاب مكاتب استقدام العمال الأجانب، في فندق روتانا الحازمية. لا ترسل الدنمارك إلينا عمالاً، والاتحاد الاوروبي الذي يمول مختلف مشاريع حماية العاملات الاجنبيات في لبنان ودعمهنّ كان ممثلاً في اللقاء من خلال رئيس قسم العمليات في بعثة الاتحاد في لبنان دييغو إسكالونا باتوريل. حرص كريستنسن على الحضور ليقول إن حماية حقوق المهاجرين «هي اليوم في صلب شرعة الحقوق الاساسية للاتحاد الاوروبي وفي صلب الشراكة التي نسجها الاتحاد مع دول الجوار وبينها لبنان».
أما باتوريل، فذكّر اللبنانيين بأنهم «يعرفون جيداً ما معنى الهجرة، ويجب أن يتمكنوا من وضع انفسهم مكان العمال الاجانب». مضيفاً: «يستغل الكثيرون ضعف العاملات الأجنبيات في لبنان بفرض ايام عمل عليهن لأكثر من عشر ساعات من دون أوقات راحة، ويعاني بعضهن معاملة غير مقبولة مثل احتجاز الحرية ومصادرة جواز السفر وعدم دفع الرواتب، وصولاً الى العنف الجسدي والنفسي. وهذه الممارسات الغير المقبولة تعكس شكلاً حديثاً من الاستعباد موجوداً في لبنان».
لكن لسفير الدنمارك كريستنسن، رأي أكثر وضوحاً «هذه ليست عبودية حديثة. ما دخل الحداثة في هذه المسألة؟ إنها ببساطة عبودية تذكّرنا بأيام غابرة وتنسف المساواة في الحقوق والكرامة الانسانية».
يقارن كريستنسن ظروف العمال الأجانب في بلاده بتلك الموجودة في لبنان، ليخلص الى الاستنتاج أن المقارنة لا تنطلق من الظروف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة بين البلدين، بل من مفهوم التعاطي مع حقوق المهاجرين وخصوصاً عدم تقييد حرية حركتهم، وهذا امر اساسي وينطلق من مفهوم قانوني شامل لحقوق الانسان، إضافة إلى الالتزام الذي فرضته اتفاقية الامم المتحدة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد اسرهم».
سفير الفيليبين في لبنان، جلبرتو آسوكي، الذي تفرض بلاده حظراً قانونياً على سفر رعاياها للعمل في لبنان، أكد لـ«الأخبار» أن هذا الحظر لن يرفع قبل التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين تعيد الاعتبار للحقوق الاساسية للعاملين.
الموضوع لا يتعلق بموقف خاص من لبنان بالتحديد، بل من أن مسألة حقوق العمال حساسة في الفيليبين، وقد شملتها تعديلات دستورية مؤخراً تشدد على هذه الحقوق وخصوصاً اثناء العمل في الخارج. يقول آسوكي. ويضيف: «الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو». حالياً لدى السفارة تقارير موثقة عن سوء معاملة بحق ١٣٠ عاملة فيليبينية في مختلف المناطق اللبنانية ونحن نسعى بالتعاون مع الجميع ومن ضمنهم كاريتاس، الى تحسين هذا الواقع السيئ». يخلص آسوكي.
رئيس مركز الاجانب في كاريتاس كمال سيوفي، أكد خلال اللقاء أن الاتفاقية الموقعة مع نقابة اصحاب مكاتب الاستقدام تهدف الى خلق إطار قانوني أكثر احتراماً لحقوق العمال الأجانب.
وتتعهد الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، العمل على توعية اصحاب مكاتب الاستقدام بواسطة دورات يديرها موظفو مركز الاجانب في كاريتاس مع موظفي مكاتب الاستقدام، يصار إلى التطرق خلالها الى افضل الممارسات التي يجب اتباعها مع العمال الأجانب. من جهة أخرى تلزم الاتفاقية مكاتب الاستقدام الاعضاء في النقابة تجنب ارتكاب أي إساءة بحق العمال الاجانب الذين يوظفونهم عند المستخدمين، لذا يتعين على المكاتب وضع لائحة سوداء بأرباب العمل المعروفين بأنهم يسيئون للعمال الاجانب، لتجنب استغلال العمال الاجانب الجدد، وتلتزم المكاتب إيجاد حل منصف للعمال الاجانب من خلال الاعتراف بمسؤوليتها تجاههم بعد توقيع عقد العمل مع مستخدميهم.
لكن لندقق اكثر في النقابة التي وقّعت العقد. على المنصة جلس النقيب هشام برجي، وبين الحضور حضر الكثير من اصحاب هذه المكاتب الاعضاء في النقابة. وكي لا يفهم الاتفاق مع كاريتاس على انه يشمل جميع المكاتب، حرض برجي على التوضيح أن قطاع مكاتب الاستقدام قد فرز نفسه الى شقين «شق يريد العمل تحت سقف القانون والأعراف. وشق صغير لا يعترف إلا بالقفز فوق القوانين وضرره يرتد علينا بأكبر من حجمه». ونبه البرجي سفارات الدول المعنية من أي علاقة مع هذه المكاتب «لأن في ذلك مساعدة كبيرة لتحقيق رغبة النقابة بإصلاحهم».
بين الحضور، نضال الجردي، ممثل مفوضية الامم المتحدة لحقوق الإنسان التي ستستضيف الشهر المقبل المراجعة الشاملة لحقوق الانسان في لبنان، وعلى جدول الانتهاكات التي سيخضع لبنان للمساءلة حولها، سوء معاملة العمال الاجانب في لبنان. الجردي يتشارك مع البرجي في عضوية لجنة التسيير الوطنية التي أنشئت عام ٢٠٠٦ وتختص بإعداد قانون عمل للعاملات الأجنبيات اضافة الى عقد عمل موحد يراعي ظروف استخدامهم. ويُجمع أعضاء اللجنة الذين شاركوا في اللقاء، على أن هناك الكثير من الامور التي تحتاج الى إزالة الالتباس من حولها في موضوع عقد العمل الموحد وضرورة أن يكون مترجماً بلغة المستخدمة اضافة الى مدى شموله مكاتب الاستقدام وليس فقط رب العمل.


عفيش وحقوق الإنسان

«أتابع ملف حقوق الانسان في الحكومة». هذا ما أعلنته وزيرة الدولة منى عفيش رداً على سؤال «الأخبار» عن السبب الذي دفعها الى حضور اللقاء. لا توافق عفيش على فكرة إلغاء نظام الكفالة للعاملات الاجنبيات، لأن ذلك يمثّل «خطراً أمنياً واجتماعياً». اقترحت الوزيرة على السفير السريلانكي ميرا صاحيب معروف أن ينظم قاعدة بيانات بالمستخدمين من رعايا دولته، وأن يخصص لهم اجتماعات استماع في السفارة للتعرف إلى اوضاعهم ولحصولهم على فرصة حقيقية لإمكانية طلب المساعدة، إذا ما أساء صاحب العمل معاملتهم».