استهدف مسلحون مجهولون صباح أمس ضابطاً في استخبارات الجيش اللبناني ومرافقه الرقيب اول عند مدخل مجدل عنجر. استهداف استخبارات الجيش فتح الباب على مجموعة من التحليلات حول من يقف خلف العملية الامنية التي تأتي في ظرف سياسي دقيق
عفيف دياب
تلقّت استخبارات الجيش اللبناني ضربة موجعة صباح أمس في مجدل عنجر البقاعية. «ضربة» لم تزل أسبابها وملابساتها وتفاصيلها غامضة بانتظار إنجاز استخبارات الجيش تحقيقاتها الأمنية التي تحتاج إلى وقت لجلاء حقيقة تفصيلات الحادث الأمني الذي صدم مجدل عنجر ومعها الجيش اللبناني واستخباراته، ولا سيما أن العلاقة بين الطرفين كانت تتسم بتعاون هادئ ومنظّم منذ عدة اشهر، بعدما سُجلت مجموعة من الإشكالات و«سوء» الفهم بين الطرفين انتهت الى ترسيخ تفاهمات، حيث أعلن أهالي المجدل، امس، التزامهم واستمرارهم بالتفاهم مع الجيش والتنسيق التام مع المؤسسة العسكرية التي ابلغت قيادتها الرسمية مرجعيات المجدل قرارها الحاسم بملاحقة المطلوبين بقتل آمر مفرزة المصنع الحدودية الرائد عبدو جاسم ومرافقه الرقيب اول زياد الميس وتوقيفهم.
مسؤول أمني قال لـ«الاخبار» إن التحقيقات العسكرية والأمنية «توصلت نسبياً الى معلومات شبه حاسمة حول هوية الضالعين في ارتكاب الجريمة، واستهداف الجيش اللبناني». ورفض هذه المسؤول تأكيد ما اشيع عن ضلوع افراد مجموعة دينية سلفية متشددة في استهداف الجيش اللبناني أو نفيه، «لكن هناك معلومات تشير الى ضلوع بعض المتشددين المطلوبين للقضاء، ونحن نحتاج الى مزيد من الوقت لتأكيد هذا الأمر»، وأضاف أن «استخبارات الجيش اللبناني تملك معلومات شبه حاسمة عن اسماء متورطين في الجريمة»، وذكّر بالقرار الحاسم بتوقيف المطلوبين والمتهمين بافتعال الحادث الأمني في مجدل عنجر و«قد أبلغنا البلدية ومخاتير البلدة ومشايخها هذا القرار، ولقينا كل تجاوب ودعم منهم لتنفيذ مهمتنا».
التحقيقات العسكرية والأمنية «توصلت نسبياً الى معلومات حول هوية مرتكبي الجريمة»
مقتل ضابط الاستخبارات ومرافقه في مجدل عنجر، رفضت جهات سلفية دعوية في البلدة التعليق عليه، إذ اكتفت بالقول: «إنه حادث أمني، وعلى الدولة القيام بواجباتها». ورفضت هذه الجهات «استباق التحقيقات الأمنية وإطلاق الاتهامات». مؤكدة أن الجيش اللبناني «يعرف تماماً هوية من يقف وراء افتعال هذا الحادث الأمني ومن استهدفه، وبالتالي لا يمكن اطلاق الاتهامات عشوائياً، فالفعل مدان ولا يمكن أن تقبل به مجدل عنجر». عُقد أيضاً اجتماع لمجلس بلدية مجدل عنجر ومخاتيرها ورجال الدين من مختلف التيارات الفكرية الاسلامية. وصدر بيان عن المجتمعين جاء فيه أن: «الفاجعة التي حصلت صباح هذا اليوم (امس) هزت ضمير كل فرد في مجدل عنجر»، وأن الحادث الامني «عمل فردي وجبان لا يمثل عادات البلدة وأخلاقها وتقاليدها ونظرتها الى المؤسسة العسكرية الساهرة على أمن الوطن والمواطن». وجدد المجتمعون استعدادهم «لأعلى درجات التعاون بما يخدم إظهار الحقيقة». وفي البيان أن الحادث جاء بعد «أن نعمت (مجدل عنجر) بحالة من الهدوء والاستقرار نتيجة التعاون والتنسيق الإيجابيين بين الجيش وفعاليات البلدة في الآونة الأخيرة».
إبداء أهالي مجدل عنجر استعدادهم الكامل للتعاون مع الجيش اللبناني، سرعان ما ترجم ميدانياً من خلال قيام وحدات من مغاوير الجيش اللبناني بتنفيذ مداهمات داخل البلدة بحثاً عن مطلوبين أو متهمين، إذ ظهر جلياً مدى التعاون والتنسيق بين الطرفين، حيث دهم الجيش اللبناني منزل الجندي الفار من الخدمة العسكرية (ح.ع.) في حي العقبة (شمال – غرب المجدل) الذي كان قد سلم نفسه قبل مداهمة منزله، وأوقف شقيقه (ا.ع.) بعد إصابته عرضاً برصاصة خلال عملية المداهمة. وقالت مصادر امنية لـ«الأخبار» إن مداهمة هذا المنزل جاءت استكمالاً لعملية الدهم الصباحية التي كانت قد قامت بها الشرطة العسكرية في الجيش اللبناني حيث لم توفق في توقيف الجندي الفار.
عملية «الشرطة العسكرية» في مجدل عنجر، وما تبعها من مقتل ضابط الاستخبارات ومرافقه، تعددت الروايات حولهما. وفي معلومات لـ«الاخبار» أن دورية من الشرطة العسكرية كانت تقوم بمهمة ملاحقة عسكريين فارين من الخدمة من مجدل عنجر، وتزامنت هذه المهمة مع وصول الرائد جاسر ومرافقه الى مدخل البلدة عند محلة الأكرمية بسيارة مرسيدس بيضاء اللون حيث أمطره مسلحون بوابل من الرصاص، ما ادى الى مصرع الضابط فوراً بعد اصابته بأكثر من 10 رصاصات، فيما فارق مرافقه الحياة خلال نقله الى المستشفى. في رواية أخرى، أن الرائد جاسر ومرافقه حاولا اعتراض سيارة بداخلها مسلحون كانت الشرطة العسكرية تطاردهم، وأن المسلحين بادروا الى اطلاق الرصاص على سيارة الرائد وفرّوا الى جهة مجهولة. وتحدثت رواية ثالثة أن ضابط الاستخبارات ومرافقه كانا يواكبان دورية الشرطة العسكرية وفجأة انهمر عليهم الرصاص من كمين مسلح عند مدخل مجدل عنجر الشمالي.
تعدد الروايات حسمته قيادة الجيش اللبناني، التي أصدرت بعد الظهر بيانها الرسمي حول الحادث الامني في مجدل عنجر. وقالت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني إنه «أثناء قيام دورية من الشرطة العسكرية بملاحقة عسكريين فارين في بلدة مجدل عنجر، تعرضت لإطلاق نار من عناصر مسلحين حُدّدت هوياتهم، مما أدى الى استشهاد ضابط برتبة رائد ورتيب، ردت الدورية على مصادر اطلاق النار، وتقوم قوة من الجيش بدهم اماكن المتورطين في الحادث، لتوقيفهم وإحالتهم على القضاء المختص». وحذرت قيادة الجيش «كل من يؤوي أياً من المطلوبين او يتستر عليهم، أنه سيتم التعامل معه كأحد المطلوبين للعدالة».
لم يمض على تولي الرائد عبدو جاسر (من صغبين في البقاع الغربي) مهامه في مفرزة استخبارات الجيش اللبناني في نقطة المصنع الحدودية، اكثر من عشرة ايام.
استشهاد جاسر ومرافقه زياد الميس (ابن بلدة برالياس المجاورة لمجدل عنجر)، يفتح الأبواب للبحث في مصير العلاقة بين الجيش اللبناني والبلدة الأكثر حضوراً في السياسة والامن البقاعيين. فأبناء المجدل الذين يجددون التزامهم مع المؤسسة العسكرية وغيرها من المؤسسات الامنية، دخلوا منذ أمس في «التباس» جديد مع مؤسسة عسكرية لطالما سعوا جاهدين إلى تنظيم علاقتهم بها. هذا السعي الذي تحقق هدوءاً وانتظاماً في العلاقة، يبدو أن أطرافاً أو جهات «مجهولة – معلومة» تعمل على تخريبه. فهل ينجح الجيش اللبناني وأهالي المجدل في إفشال محاولة «جرّهما» الى «مشكل» جديد – قديم؟
* شارك في التغطية اسامة القادري


استذكار واستنكار

استنكر «تيار المستقبل» ما سمّاه «الجريمة النكراء التي أدت الى استشهاد ضابط ورتيب من الجيش اللبناني». وأكد البيان أن «التيار لن يهدأ له بال قبل اعتقال الفاعلين وتقديمهم أمام العدالة لينالوا القصاص العادل. ويشدد على أن الجيش هو ضمان اللبنانيين وأن سلامة عناصره وضباطه وقيادته تعني سلامة الوطن وكل أبنائه. وأعلن أنه «الى جانب الجيش في مواجهة كل المجرمين والخارجين على القانون».
وشجب الرئيس السابق للجمهورية اميل لحود جريمة اطلاق النار على «الجيش اللبناني الوطني الباسل في مجدل عنجر، والتي ادت الى استشهاد ضابط وجندي». وأعرب لحود لقيادة الجيش وعائلتي الشهيدين عن أحر التعازي باستشهادهما، مطالباً «الاقتصاص بقوة من مرتكبي جريمة الغدر في حق المؤسسة العسكرية». واستذكر لحود أحداث الضنية نهاية عام 2000 التي استهدفت الجيش والمواطنين الأبرياء، فصدر الأمر الرئاسي بدهم مخابئ القتلة في الجرود واقتيادهم الى المحاكمة وهكذا حصل.