تتعرض الآثار في المتحف الوطني العراقي لعمليات سرقة منظمة يقودها ويشارك فيها مسؤولون حكوميون». هذه كانت خلاصة التقرير الذي رفعته هيئة النزاهة التي تحقق في وضع المتحف العراقي منذ 2008. وهيئة النزاهة هي لجنة تعمل على إحصاء آثار المتحف الوطني، أُلفت بكتاب من مجلس الوزراء. وكانت وكالة السومرية قد نشرت تقريراً عن خلاصات عمل اللجنة أكد فيه رئيسها رحيم العيكلي أن «ما يقارب 50 سجلاً من سجلات المتحف تضرر وتلف أربعة سجلات من طريق غمرها بالماء، وهي سجلات مدون فيها أسماء وتفاصيل عن 2400 قطعة آثار»، مؤكداً «عدم عثور اللجنة على أي سجل يشير لعدد المخازن وأماكن وجود القطع وعددها. كذلك، لا سجلات تبين عدد الآثار في المتحف الوطني وكم سرق منها بعد عام 2003». واكتشفت اللجنة مع أول سجل فتحته فقدان أكثر من 18 مسكوكة ذهبية، كتب على غلاف السجل أنها أخرجت بأمر السيد الوزير من دون ذكر اسمه وأين ذهبت. وأكد العيكلي أن «أكثر من 30 ألف قطعة أثرية غير مدونة أسماؤها ومعلومات عنها بالسجلات، كذلك وجدت اللجنة أن معلومات السجلات لا تتطابق مع محتوى مخازن المتحف التي ليس بها محاضر استلام وتسليم للآثار. كذلك، إن قطع الآثار وثقت بطريقة لا تؤدي إلى معرفة عددها، وبالتالي لا يسمح بإحصائها. ومثالاً على ذلك، وضعت المسامير السومرية في محفظة، وكتب عليها مسامير سومرية من دون ذكر العدد الفعلي للقطع. وأكد العيكلي أن «اللجنة، في ضوء اكتشافها مثل هذه الأمور، أكدت في تقريرها إلى مجلس الوزراء أن المتحف الوطني يتعرض لسرقة منظمة، وستستمع اللجنة إلى إجابات المعنيين في دائرة الآثار وستنشر لاحقاً تقريراً مفصلا». لم يتوقف موضوع السرقة عند هذا الحد، فقد اتهم أفراد من الحكومة العراقية إدارة متحف السليمانية بشراء آثار متحف العراق وضمها لمجموعتها بعد تبديل الرمز الذي عليها من م.ع (المتحف العراقي) إلى م.س (متحف السليمانية)». اتهام رد عليه الناطق باسم حكومة إقليم كردستان كاوه محمود، مؤكداً أن «حكومته مستعدة لإعادة أي آثار مفقودة من المتحف الوطني العراقي وموجودة بالفعل في متحف السليمانية».
هذا التقرير الذي ينتظره اليوم في بغداد أعضاء الهيئة العامة للآثار، قد لا يكون بالدقة والموضوعية التي يحب أصحابه أن يؤكدوها. فالصراعات على السلطة في العراق تتفاقم، وكما درجت العادة في بلاد ما بين النهرين، يُجازى الموظفون داخل إداراتهم من هيئات ولجان لتقصي الحقائق والواقع. ومما لا شك فيه، أن هناك مخالفات في المتحف العراقي، ومن المؤكد أن القطع التي توضع في المخازن لا تسجل بأكملها بدقة، وإلا فلماذا يعاني المتحف مما يعانيه، من الترهل في العمل الذي ورثه من سنين الدكتاتورية؟ لكن بين المخالفات والسرقة المنظمة وادٍ سحيق، والانزلاق إليه خطير للغاية، وخاصة إن أتى على خلفيات سياسية. ففي الأسابيع الماضية، بناءً على تقارير من الخارجية الأميركية، اكتشف في مطابخ مكتب رئاسة الوزراء العراقية 632 قطعة أثرية كانت الولايات المتحدة قد أعادتها إلى المتحف العراقي، الذي لم تصله إلا بعد سنتين بسبب ضياعها في أروقة مكتب رئاسة الوزراء. أما التقرير، فيتهم موظفي المتحف اليوم بالإخلال بعملية التوثيق.
أن يبقى الخلاف عراقياً وشأناً داخلي شيء، وأن تحوله السلطات العراقية إلى عملية سرقة دولية منظمة شيء آخر. الوضع في خطورة متزايدة، فاتهام موظفي المتحف ومديريه بالسرقة ليس حدثاً عادياً، وخصوصاً في غياب أي إثبات حقيقي. وعلماء الآثار العراقيون يؤكدون أن التقرير ملفق ويهدف إلى تغيير المسؤولين في المناصب العليا «لتلقين الدروس في التبعية السياسية أولاً، ولتسهيل عملية البيع والسرقة لاحقاً».
متحف بغداد من أكبر متاحف العالم، وهو يختزن مئات آلاف القطع التي تخبر تاريخ البشرية. وحتى اليوم، كان موظفوه أولياء لهذا التاريخ ويعملون للمحافظة عليه بالطرق التي يعرفونها والتي قد لا تخلو من الأخطاء، لكنهم، كما ذاع صيتهم، أمناء.
ج.ف.ب