دخلت الولايات المتحدة الأميركية على خطّ إدارة الصيد البري في لبنان... أيضاً. لكن، إذا وضعنا السياسة جانباً، ونظرنا الى واقع هذا القطاع، تصبح الاستعانة بالخبرات الأجنبية، والأميركية خصوصاً، أكثر من مجدية. ففي أميركا نظام متكامل للمحافظة على الحياة البرية، تشارك فيه الإدارات المحلية والفدرالية، وتشرف عليه مؤسسة إدارة الغابات. لا بأس إذاً من بعض الدروس في «ديموقراطية الصيد»
بسام القنطار
في انتظار المجلس الأعلى للصيد البري، جدول أعمال كبير حول القرارات المطلوبة لتنظيم هذا القطاع. فهذه القرارات تحتاج إلى سياسة وطنية بين مختلف الأفرقاء، جمعتهم أمس، ورشة العمل في فندق مونرو، ضمت العديد من الشركاء المعنيين بإدارة الملف. قوى الأمن الداخلي انتدبت ممثلاً عنها، وكذلك فعلت نقابة تجارة الأسلحة وذخائر الصيد واتحاد الرماية والصيد، وجمعية المجلس الوطني للصيد البري. وفيما غابت وزارة الزراعة، الشريك الذي «قُنصت» وصايته على هذا الملف عام ٢٠٠٤، حضر ممثلون عن جمعية حماية الطبيعة في لبنان، ومشروع الطيور المهاجرة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ووزارة البيئة التي عهد إليها وفق قانون الصيد البري الذي صدر عام ٢٠٠٤ بإدارة هذا الملف.
الى جانب هؤلاء، حضر خبراء في البرنامج الدولي التابع لإدارة الغابات في الولايات المتحدة الأميركية. من بين هؤلاء آلان كرستنسن. يحمل الرجل خبرة ٣٧ عاماً في الحياة البرية وإدارة الموارد الطبيعية، وهو الى جانب خبراته العلمية والميدانية صياد محترف.
قدم كرستنسن عرضاً للنموذج الأميركي في المحافظة على الحياة البرية، وهو نظام يرتكز على سبعة عناصر أساسية تعرف بالـ«الشقيقات السبع». وتتضمن النقاط الآتية: الحيوانات البرية هي ملك عام. ويمنع الاتجار بها لأغراض تجارية، لا يسمح بصيد هذه الحيوانات إلا وفق مقتضيات القانون. كما تصنف بعضها كموارد دولية (الطيور المهاجرة مثلاً) العلم أفضل أداة لصياغة السياسات المتعلقة بالحيوانات البرية. والأهم وفق التعريف الأميركي أن الصيد هو «عملية ديموقراطية». أما درو غوور، فهو ما يسمى «فوكل بوينت اسيستنت» في لبنان، أي الرجل التنفيذي للبرنامج الأميركي على المستوى الدولي، وهو بالمناسبة اختصاصي «الشرق الأوسط حسب التسمية الأميركية. وقبل الورشة، كان الفريق الأميركي قد زار مختلف الأطراف المعنية من وزارات ونقابات وأندية، وأعدّ جدولاً مفصلاً بوجهة نظر كل فريق والصعوبات المتوقعة في مجال إدارة الصيد البري في لبنان. ويمكن القول إن الجولات الميدانية الأميركية أكسبت هذا الفريق خبرة في ملف الصيد أكثر من الأطراف اللبنانية مجتمعة، فمن المعروف أن أي جهة من الجهات المعنية بهذا الملف لا تملك المعطيات كلها عن مشاكله، ربما لتشتت الملف في ما بينها وعدم التنسيق.
سليم حمادة، مستشار وزير البيئة، بشّر المشاركين بأن اقتراحات ورشة العمل ستكون على جدول أعمال أول اجتماع للمجلس الأعلى للصيد البري الذي أقر مجلس الوزراء تشكيلته الجديدة في ٦ تشرين الأول الجاري (راجع الأخبار تاريخ ... العدد رقم).
حمادة أعلن أن المجلس الأعلى الجديد سيعمل فور انطلاقه على إصدار القرارات التطبيقية لقانون الصيد، ومنها رخصة الصيد، ما سيمكّن وزير البيئة من فتح موسم الصيد في العام المقبل، وتحديد الطرائد المسموح بصيدها، وبالتالي الانتقال من حالة منع الصيد على الأراضي اللبنانية، الذي لم يطبّق منذ عام ١٩٩٥ الى حالة تنظيمية جديدة للصيد ومواسمه وأماكنه».
لكن، هل يتمتع لبنان بجهوزية تسمح للمجلس الأعلى للصيد بفتح الموسم في العام المقبل؟ النقاشات التي تبادلها المشاركون في الورشة لا توحي بذلك، وخصوصاً أن تنظيم الصيد لا يحتاج فقط إلى إصدار ما يزيد على ١٠ مراسيم تطبيقية للقانون، بل إلى آلية إدارة هذا الملف.
وفق ما قدمته رشا كنج من وزارة البيئة، لم يتلقّ المجلس الأعلى للصيد منذ ما يزيد على عامين أي إحالة من وزارة الداخلية تتعلق بقمع مخالفات الصيد البري. في المقابل ثمة معلومات أخرى تتعلق بتقارير قوى الأمن الداخلي تستحق أن يتوقف عندها اللبنانيون: ٤٠٠ حالة وفاة أو عطل دائم سجلت عام ٢٠٠٩ جراء حوادث الصيد. نحن إذاً أمام حرب ضروس تدور رحاها في أحراج لبنان، ولا يقل خطرها عن حوادث السير.

يستهلك اللبنانيّون سنويّاً أكثر من 25 مليون طلقة
من يضبط هذه المخالفات، ومن يوقف الصيد الجائر المتنقل بين البيوت في الصباح وعلى أسطح الأبنية في المساء؟ برأي مدير جمعية حماية الطبيعية، أسعد سرحال، الذي عيّن ممثلاً للجمعيات الأهلية في المجلس الأعلى للصيد، فإن الواقع الحالي يحتاج الى تفاهم داخل المجلس الأعلى للصيد حول مسؤولية الوزارات المعنية وبقية الشركاء. ويرى أن الحل هو بإنشاء محميات للصيد على أراضي الدولة والبلديات في جميع المحافظات اللبنانية. وبناءً على ذلك، يمكن الصيادين الذين لديهم حسّ المسؤولية والذين لديهم اهتمام باستدامة المواقع المهمة لفرائسهم، أن يكونوا جزءاً من قوى ضاغطة تدفع باتجاه صون الطبيعة، وأن يصبحوا جزءاً من حل مشكلة الصيد العشوائي بدلاً من أن يكونوا هم المشكلة.
يريد سرحال من ورشة العمل أن تمثّل خريطة طريق، أما بالنسبة إلى الخبراء الأميركيين «فيمكن الاستفادة من تجاربهم للوصول إلى صيد مستدام في لبنان».
الأهم بالنسبة إلى سرحال هو الاتفاق على إدارة الموارد المالية التي ستجبى من رخص الصيد والتدريب وغيرها. ويضيف: «لا نتحدث عن ملايين الليرات، بل عن مليارات، في حال تنظيم هذا القطاع. مثلاً لو فرضت ضريبة على علبة الخرطوش، لأننا نستهلك سنوياً ما يزيد على ٢٥ مليون طلقة، تنتج ٦٠٠ طن من الرصاص، هذا بحد ذاته مورد مهم شرط أن يصرف على تحسين حماية الطبيعة، إضافة الى الأموال التي ستجبى من تدريب الصيادين لحيازة رخصة الصيد ومن رسم رخصة حمل السلاح ومن بوليصة التأمين وغيرها من الموارد، التي لا نعلم لماذا غضت الحكومات المتعاقبة الطرف عنها وتركت الأمور تصل الى ما وصلنا إليه.