خمسة أشهر مرّت على انتهاء الانتخابات البلدية. مهلة كافية ليطّلع الناخبون على المشاريع التنموية التي يفترض أن تكون المجالس البلدية قد بدأت بإعدادها. إلا أن عدداً من البلديات اختار مفاجأة المكلّفين بمبادرات مختلفة: خلافات واستقالات... تمهيداً لانتخابات جديدة؟
رامح حمية، أليسار كرم
بياقوت، الفاكهة وحجولا. استقالات بالجملة تهدّد مصير ثلاثة مجالس بلدية لم تمض أشهر على انتخابها، أو فوزها بالتزكية. لا تختلف التفاصيل التي أدّت إلى الخلافات بين الأعضاء، وخصوصاً لجهة التذمر من صلاحيات الرئيس الواسعة، إلا أنها تكشف أيضاً هشاشة بعض التحالفات.

الفاكهة: بين الإنماء والإرادة

في الفاكهة لا حديث يتداوله الأهالي إلا الانتخابات البلدية التي أدّت إلى فوز 10 أعضاء من لائحة «الإنماء البلدي»، و5 من لائحة «الإرادة الشعبية». وعلى الرغم من فوز «الإنماء» بالأكثرية، لم ينجح الأعضاء في انتخاب رئيس البلدية ونائبه، ما شرّع الباب على مصراعيه أمام انتقالات متبادلة من لائحة إلى أخرى، وصولاً إلى استقالة 8 أعضاء من المجلس.
يشرح رئيس بلدية الفاكهة جورج عبود أن «مشاكل عائلية ناتجة من مصالح ضيقة، فرضت تأخير انتخاب الرئيس ونائبه مدة شهرين» ما دفعه وزميليه طوني خوري وطوني مطر إلى الانتقال إلى اللائحة الثانية. بعد هذا الانتقال، انتخب عبود رئيساً في 10 تموز الفائت، وبدأ عقد جلسات المجلس البلدي في ظلّ غياب أعضاء لائحة «الإنماء البلدي» السبعة، الذين لم يحضروا إلا الجلسة الرابعة فقط من أصل سبع، «حتى لا يقالوا بسبب الغياب لأكثر من 3 جلسات».
في الفاكهة شائعات عن هدر أموال بقرارات رئاسية
ويشير عبود إلى أن استقالة الأعضاء الثمانية جاءت بذريعة أنهم استبعدوا عن اللجان في البلدية، وعدم إطلاعهم على القرارات التي اتخذت خلال الجلسات الست التي غابوا عنها، معلّقاً: «من غير الممكن أن تلحق الأعضاء إلى منازلهم لإشراكهم في اللجان وإطلاعهم على القرارات». ويسأل: «هل إنماء البلدة وخوفهم على أهلها يقتضيان تقديم استقالاتهم وإطاحة البلدية في الوقت الذي يمثلون فيه الأكثرية وباستطاعتهم إلزام المجلس بأكمله بما فيه الرئيس ونائبه؟». رداً على ما يشاع عن قرارات عشوائية وهدر لأموال البلدية، وجّه دعوة «إلى كل مواطن أو عضو مجلس بلدي لديه أدنى شك لناحية وجود هدر في البلدية، أن يتقدم بدعوى أمام النيابة العامة المالية».
يذكر أن ثمة مساعي لرأب الصدع ومحاولة دفع الأعضاء المستقيلين للتراجع عن قرارهم. إلا أن فؤاد سكرية، أحد الأعضاء المستقيلين، أوضح أن المساعي «غير جدية وتقتصر فقط على العمل على دفع عضو واحد إلى التراجع عن الاستقالة، وليس إعادة الوئام إلى المجلس». ورأى أن الحل الجدي «يبدأ بالحوار البنّاء وباستقالة الرئيس الحالي وإعادة الانتخاب مرة جديدة». وأكد أن الاستقالة جاءت بعد «محاولاتنا لفت الانتباه بالتغيّب عن الجلسات، لكنهم لم يكترثوا، واتخذوا في غضون شهرين أكثر من 49 قراراً رئاسياً و4 قرارات بلدية، والمريب أنهم صرفوا مبلغ 499 مليون ليرة خلال هذه الفترة». وكشف سكرية عن تقديم استقالة مرة ثانية بتاريخ 19 الشهر الجاري، ما يلزم المحافظ بمدة شهر لبتها، وإذا لم يفعل تعدّ الاستقالة مقبولة ضمناً.

بياقوت: مجلس مشلول

تقدّم ستة أعضاء من أصل تسعة في بلدية بياقوت باستقالاتهم رسمياً في 14 الجاري بعدما بلغت الخلافات ذروتها داخل البلدية. وعلى الرغم من استمرار المساعي للعودة عن الاستقالة، يؤكد المتابعون أن الأمل ضعيف في ظل الخلافات المتكررة بين الأعضاء المستقيلين ورئيس البلدية، ما يعني أن حلّ المجلس البلدي بات أمراً محسوماً. يعزز هذا الانطباع الصراخ الذي تتسم به اجتماعات المجلس، والذي يُسمع خارج غرفة الاجتماعات، وينعكس «شللاً» على عمل المجلس البلدي.
ويبدو هذا الأمر مؤسفاً لبياقوت، التي بدأت مؤخراً تستعيد بريقها بعدما حُرمت لسنوات من اهتمام المتنيين. البلدة الصغيرة التي كانت قد عانت من الإهمال بعد حصول انهيارات في بعض أبنيتها السكنية، تشهد منذ سنوات نهضة عمرانية وازدياداً ملحوظاً في عدد السكان يبرّره موقعها بين جل الديب – بقنّايا وبصاليم والمنطقة الصناعية في نهر الموت. وعلى الرغم من أنها أصبحت محط أنظار الراغبين بشراء بيت أو استثمار أرض، لم يقم المجلس البلدي الجديد بأي خطوة أو عمل إنمائي منذ توليه مهامه في حزيران الفائت.
بياقوت الفائزة بالتزكية تشكو تفرّد الرئيس بالقرارات
الأعضاء المستقيلون هم: عاطف جرجس هاشم، روبير رشوان نعمه، دورين جميل صليبا، جورج طانيوس زينون، روبير يوسف زينون، جوزيف جورج زينون، وهم يؤكدون عدم العودة عن الاستقالة. أما رئيس البلدية، المهندس إيلي زينون، فيؤكد أن المساعي مستمرة لحلّ المشكلة وأن سبب الاستقالة «موقف سلبي ضدي لأنني لم أقبل بتمرير ترخيص لمشاريع خاصة ولأنني أعطي الأولوية للمصلحة العامة. يريدون استعمال صلاحيات الرئيس لتسيير شؤونهم ويتهمونني بعدم التعاون عندما لا أقبل بمخالفة القانون». وهو يرى أن الفوز بالتزكية «جاء على حساب التشكيلة السليمة والمتجانسة، ما ينعكس سلباً على سير العمل». يقول: «بياقوت تضمّ قوى سياسية وطوائف عدّة، لذلك حصل توافق عائلي بعد سلسلة اتصالات لتجنيب البلدة معركة انتخابية. لكن التشكيلة لم تكن متجانسة، وخصوصاً أنني الوحيد الذي بقي من المجلس السابق أما سائر الأعضاء فوجوههم جديدة».
بعض هؤلاء الأعضاء «الجدد» امتنع عن المشاركة بتقبل التهاني بعد الفوز بالانتخابات، ما عُدّ موقفاً سلبياً، وبعضهم الآخر وصف الرئيس بـ«القيصر زينون العظيم» منذ البداية. واليوم يتفق الأعضاء الستة المستقيلون، وفق ما تحدثت باسمهم السيدة دورين صليبا، على أن الرئيس «متفرّد بآرائه ويحتكر القرار».
وفيما ينفي المستقيلون كمون «شيطان التسييس» في تفاصيل الإشكال، علمت «الأخبار» من مصادر متابعة للتطورات أن رئيس البلدية، إيلي زينون، الكتائبي السابق الذي بنى علاقة طيبة مع التيار الوطني الحر ومع النائب ميشال المر، اتصل بالأخير طالباً منه التدخل شخصياً لمعالجة الإشكال الذي سيؤدي إلى حلّ المجلس البلدي وبالتالي إلى تسليم قائمقام المتن، مارلين حداد، صلاحيات المجلس البلدي. فما كان من المر إلا أن اتصل بالرئيس أمين الجميل على أساس أنه «بيمون». فاجتمع الجميل بالأعضاء المستقيلين في منزله وطلب منهم العودة عن الاستقالة. رفض الأعضاء الستة التراجع عن قرارهم على الرغم من وجود بعض الملتزمين حزبياً في «الكتائب» بينهم، وأكدوا أن «لا مكان للسياسة في هذا الموضوع لأن شلل العمل البلدي منذ قرابة الثلاثة أشهر لم يعد مقبولاً».


لا اجتماعات في حجولا

تقدّم 6 أعضاء من أصل 9 يتألف منهم المجلس البلدي في حجولا – جبيل باستقالاتهم، على خلفية النزاع على صلاحيات الأعضاء واللجان أو المناصب التي سيتوزّعون عليها. وكانت حجولا قد شهدت تنافساً انتخابياً بين لائحتين، تضمّ الأولى تحالف حزب الله وحركة أمل، في مواجهة لائحة ثانية من المستقلين. وقد استطاعت الأخيرة خرق لائحة التحالف بـ3 أعضاء على حساب المحسوبين على «أمل». على الرغم من ذلك انتخب ممثل أمل، عفيف ابراهيم، رئيساً للبلدية من دون أن يستطيع اتخاذ قرارات تتعلق بتوزيع المناصب، ما جعله يرفض الدعوة إلى عقد اجتماعات للمجلس. بناء عليه، تقدم الأعضاء الستة باستقالاتهم، ما يعني «حلّ» المجلس البلدي حكماً إذا لم يعودوا عنها، أو يتقدموا باستقالة ثانية يبتها المحافظ خلال شهر.