سعيد خطيبي
تتذكّر سعاد ماسي البدايات بمزيج من التهيّب والحنين. جراح التسعينيات الجزائرية، وسنوات حظر التجوّل، والتضييق على الحريات، وقمع أصوات النساء. «في وقت دخلت فيه البلاد مرحلة سياسية جدّ صعبة، أتذكر كيف كنت أعود في ساعة متأخرة إلى البيت، حاملةً الغيتار على كتفي، وأنا أخشى أن يعتدي عليّ أحد». لم يكن خيار الموسيقى سهلاً في مجتمع جزائري تهيمن عليه السّلطة البطريركية. وجب على سعاد ماسي الصبر والتمتع بروح العناد، كي تتجاوز تهكّم من اعتبروها «بنتاً مسترجلة»، وتواصل الطريق الذي شرعت فيه مصادفة منذ السابعة عشرة.
ابنة حي باب الواد الشعبي في الجزائر العاصمة ـــــ الحي الذي نشأت فيه فرقتا الراب المعروفتان «أنتيك» و«حامة بويز» ـــــ تعيش حالياً حياةً هادئة في باريس. بعد سنوات الصخب والغزارة الفنية، تحاول في الوقت الراهن الجمع بين طموحها الفني وواجبها العائلي. تكرس وقتاً مهماً للاعتناء بابنتها ذات السنة وثلاثة أشهر. تستمع إلى الموسيقى أيضاً، وتستعدّ لإطلاق ألبومها الرابع مع شركة Universal Music. تعود بها الذكريات إلى عيد ميلادها السابع عشر، حين خصّها أخوها الأكبر بهدية غير مألوفة. «سجلني في «المدرسة الوطنية للفنون الجميلة» في الجزائر العاصمة، في تخصُّص الغيتار، كما دفع كلّ مستحقات الدراسة لثلاث سنوات. لم يستشرني في الموضوع، بل شجّعني على تعلُّم العزف، في وقت واصل فيه عزفه على البيانو». هدية منحتها شغفاً، ولذة عيش، وسمحت لها بالغوص في عالم الموسيقى.
ابنة العائلة ذات الأصول الأمازيغية، نشأت في أسرة متواضعة من ستة أبناء، يعشقون الموسيقى. كانت تصبح وتمسي على أغنيات «الشعبي»، وصوت شيوخ السبعينيات، على غرار الحاج أمحمد العنقى، ودحمان الحراشي. «انسجمت أذني مع أغاني الشعبي، منذ كنت في العاشرة، وخصوصاً أعمال الراحل الهاشمي غروابي، وهو المغنّي الوحيد الذي تمنّيت لو أدّيْتُ دويتو إلى جانبه».
في «المدرسة الوطنية للفنون الجميلة» درست قواعد الموسيقى الأساسية، في السولفيج، وأبجديات الموسيقى العربية الأندلسية. ثمّ قررت سعاد الصغيرة السباحة وحدها في بحر الفن، وأدارت دفة اهتماماتها صوب الموسيقى الأميركية، وخصوصاً الفولك والكاونتري، متأثرة بالفنانين كيني روجرز، وستيفي واندر. بموازاة ذلك، واصلت ماسي دراساتها الجامعية، وتخصّصت في مجال التنظيم المدني. جاء عام 1989، ليمثّل محطّة مفصليّة في حياتها. فقد انخرطت في فرقة موسيقى الفلامنكو Triana d’Alger. غنّت معها في عدد من الحفلات والمهرجانات في الجزائر، وعلى شاشة التلفزيون. لكن التجربة لم تدم طويلاً، إذ توقفت الفرقة عن العمل عام 1997.
اضطرت ماسي إلى العمل في مكتب دراسات بغية ضمان مصدر عيش مستقر. أشهر قليلة فقط، سرعان ما عادت بعدها الى حبها الأول، إذ التحقت بفرقة موسيقية ناشئة حقّقت حضوراً مهماً، واسمها Atakor نسبةً إلى اسم جبل في الصحراء الجزائرية. امتازت الفرقة بمحاولاتها مزج الموسيقى التقليدية مع أنماط موسيقية غربية، وخصوصاً الروك والبوب. لكنّ الانطلاقة الحقيقية في مسيرة ابن الواد، جاءت مع إصدارها ألبوماً يحمل اسمها أواخر التسعينيات وتضمّن أغنية Bye Bye My love التي أدّتها في فيلم «صنع في الجزائر» للمخرج موسى حداد.
بعد عشر سنوات كاملة من المغامرة والتجريب، فرضت ماسي صوتها كواحدة من أهم الأسماء الفنية النسائية. خلال هذه الحقبة، تعرضت إحدى أغنياتها التي تقدم قراءة للواقع السياسي لمقصّ الرقابة الرسمية. لكنّ مصادفة جديدة ستغيّر ملامح حياتها: «تلقيت في كانون الثاني (يناير) 1999 دعوة، من جمعية Connexion bled، للغناء في قاعةLe Cabaret Sauvage في باريس، ضمن احتفالية تحمل عنوان «نساء الجزائر». كانت الزيارة ستقتصر على ثلاثة أيام فقط، فإذا بي أستقر في فرنسا لثلاث سنوات متواصلة». حين وصلت العاصمة الفرنسية، نصحها الأصدقاء بإحياء أكثر من حفلة، ووجدت من يقدّمها لشركة Universal. «أديت نماذج عن أعمالي السابقة، فتبنّت الشركة مشروع ألبومي الأول، ووقّّّعت معها عقداً لمدة عشر سنوات». توّج هذا العقد بأربعة ألبومات، أوّلها «الرّاوي» (2001) الذي تضمن أغنية باتت شهيرة اليوم بالعنوان نفسه، تقول إنها كتبتها «في المطبخ»: «حاجيتْ اك ماجيتْ اك/ وادّي نا بعيد من هاذ الدنيا/ حاجيتْ اك ماجيتْ اك/ كل واحد منّا ف قلبهُ حكاية/ كل واحد منّا ف قلبهُ حكاية»... تلاه «داب» (2003)، و«مسك الليل» (2005)، و Live Acoustique (2008)... وفي 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل يطلق عملها الجديد «حورية».
يتضمّن هذا الألبوم الرابع دويتو مع المغني الفرنسي الشهير فرنسيس كابريل. «سألت كابريل عن إمكان التعامل الثنائي باعتبار أننا نشتغل النمط نفسه تقريباً. اقترح عليّ نصاً يقارب معاني الحب والسلام، وسنغنّيه تحت عنوانTout reste à faire» (العمل الحقيقي ما زال أمامنا). وتراهن الفنانة في ألبومها الجديد على اللمسة الشرقية من خلال العود. «آلة أحبّها كثيراً، ولاحظت أنّها تكاد تكون شبه غائبة عن الموسيقى الغربية».
في إطار الترويج للأسطوانة الجديدة، ستقوم ماسي بجولة فنية في فرنسا، في انتظار برمجة حفلات مماثلة في الدول العربية. صحيح أنّها تتمنى ملاقاة الجمهور العربي، لكنها لا تريد تكرار تجربة 2007، حين دعيت إلى حفلتين في تل أبيب وحيفا ورفضت الاستجابة للدعوة. «جاءت دعوة الغناء في تل أبيب وحيفا في ختام جولة فنية على عواصم عربية أخرى انطلاقاً من القاهرة. وما إن أعلن عن الدعوة، حتى انهالت عليّ رسائل الشجب من كل مكان. قناعاتي والتزامي يمنعانني من زيارة إسرائيل، هذا أمر مفروغ منه. لكن في المقابل وصلتني رسائل دعم من عرب مقيمين في حيفا، وحزّ في قلبي أن أخيّب ظنهم، ولا ألتقي معهم. كفنانة، أؤمن بدوري وأدافع عن رسالتي. لكنّني أتساءل لماذا يحتكر السياسيون الحق في فعل ما يشاؤون، فيما يبقى الفنانون محاصرين؟». كنا نودّ أن نشرح لها الفرق، لكن الحديث سيكون طويلاً وشائكاً...


5 تواريخ

1972
الولادة في باب الواد، الجزائر العاصمة

1989
الالتحاق بفرقة Triana d’Alger

1998
أغنية Bye Bye My love التي أدّتها في فيلم «صنع في الجزائر»

2001
ألبومها الاحترافي الأول «الراوي» بعد الانضمام الى شركة Universal Music

2010
يصدر ألبومها الرابع «حوريّة» مطلع الشهر المقبل