خلال عملية عصر الزيتون، يُستخرج الزيت عبر فصله عن المادة الصلبة المعروفة بالجفت أو التمز، وعن المياه السوداء المعروفة بالزيبار.تبلغ درجة حموضة الزيبار 4,5، وكثافته 0,98، بينما يميل لونه إلى البنّي، وتكون رائحته حادة ومنفرة. يترك الزيبار بصمات شديدة الأثر على المعادن الفولاذية تظهر على شكل أكسدة، كما تمثّل المواد العضوية ما يقارب 12% من وزنه، مصدرها غلاف حبات الزيتون ولبّها وبعض الأوساخ المرافقة. وقد أشيع في السنوات الأخيرة أن الزيبار، الذي يرميه أصحاب المعاصر بطريقة عشوائية أحياناً، هو مصدر تلوث المياه الجوفية في طرابلس، ما أثار بعض التخوف من إمكان وصوله الى مياه الشفة. بعد أبحاث عديدة قام بها حول الموضوع، يقترح الدكتور أنطوان ديري، المدير السابق لكلية العلوم في الجامعة اللبنانية، فرع طرابلس، طرقاً بسيطة من شأنها تحسين نوعية الزيت خلال العصر، والاستفادة من الجفت في إنتاج الطاقة الكهربائية، وتغيير الطبيعة الفيزيائية والكيميائية السيئة للزيبار. كلّ ذلك من خلال عملية بسيطة تتلخص بإضافة مادة الكلس أثناء العصر وباستخدام الفحم النشيط الناتج من احتراق الجفت، عبر طريقة أوتوماتيكية مبرمجة وإيكولوجية تحسّن من نوعية الزيت، وتجعل من الزيبار مياهاً صالحة.
فالكلس هو مادة منظّفة ومعقّمة وغير ضارة، تذوب بنسب محدودة في المياه. تبلغ درجة حموضتها 13، وبالتالي، بإمكانها أن تتفاعل خلال الغسل والطحن والعصر مع الحمض الحرّ الموجود في زيت الزيتون، لتحرّر الزيت منه وتحسّن نوعيته.
يتفاعل الكلس أيضاً مع المياه السوداء ذات الحموضة المتوسطة، إذ يرفع درجة حموضتها إلى تسعة، ويساعدها في ترسّب المواد العضوية السابحة فيها، محوّلاً إياها إلى مياه زهرية شبه صافية، تصبح صالحة للري.
أما بالنسبة إلى الطاقة، فالجفت يحتوي على 40% من الكربون، و5% تقريباً من الهيدروجين و16% من الرطوبة و2% من الرماد، ما يبرز بوضوح إمكان استثمار هذه المخلفات عبر تحويلها من خلال بعض المعادلات العلمية الى طاقة كهربائية.
فقد تبيّن لدويري أنه «لو ضخّ الجفت، مع هواء ساخن بمعدل 60 درجة مئوية وبكمية وسرعة عاليتين، إلى فرنين متجاورين على شكل أنبوبين ضخمين، لحصلنا من كل كيلوغرام واحد من الجفت على 4300 كيلو كالوري، بسقف حراري يقارب 1900 درجة مئوية، أي ما يعادل نصف ما ينتجه المازوت من طاقة، وبالتالي من الممكن الاستفادة من الجفت في إنتاج الطاقة الكهربائية». حالياً، يُستخدم الجفت للتدفئة فقط، إذ تصنّعه بعض الجمعيات التعاونية الزراعية لهذا الغرض، بينما يحوّله مزارعو الشمال الى أقراص فحم مخصصة لإشعال النرجيلة.
مايا ...