المشهد في بلدة بعورتة، ليل أول من أمس، يعيد إلى الذاكرة مشهد عام 2007. سرعة غير عادية في الرياح ساعدت في قضاء الحرائق على 20 هكتاراً من الغابات، وأخلت البلدة من سكانها، والحصيلة خسائر تقدر بملايين الدولارات
بسام القنطار
استفاقت بلدة بعورتة في قضاء عاليه على مشهد أسود قلّ نظيره، ويمكن المتجول أمس في مختلف قرى «الشحار الغربي» التي طالتها الحرائق مثل كفرمتى وبعورتة ودقّون، أن يتنبأ بمستقبل هذه الأراضي التي استحالت صحراء. ففي المناطق الصخرية والرملية، يتهيأ سماسرة الكسارات والمرامل لتقديم رخص الى المجلس الأعلى للكسارات، وفيما لم يقرّ بعد مشروع القانون الذي تقدم به النائب أكرم شهيب الذي يقضي بمنع إعطاء رخص مرامل أو كسارات في الأراضي المحترقة وإجبار أصحابها على إعادة تشجيرها.
شهيّب الذي جال ليلاًَ على القرى المنكوبة، أجرى اتصالات مع وزير الداخلية وقيادة الجيش لتكثيف حركة الدفاع المدني والإطفاء لمحاصرة النيران. كما حضر الى بعورتة المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة وعملت وحدات من الجيش بمشاركة طوافات تابعة للقوات الجوية، وبالاشتراك مع عناصر الدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت حتى ساعات متقدمة من الليل في محاولة لإطفاء النيران. لكن مطر السماء كان أكثر فعالية من خراطيم الأرض، حيث ساعدت الأمطار التي تساقطت منذ الفجر على تخفيف سرعة الرياح وإخماد الحرائق.
مشهد الصباح في المناطق التي طالتها النيران يذكّر بحرائق عام 2007، حيث أبيد ما يزيد على 20 هكتاراً من الغابات الحرجية، وخصوصاً التي كانت تشتمل على أشجار سنديان وملول معمّرة، والتي يتهيأ تجار الفحم للانقضاض على ما بقي منها لجمعه وتفحيمه، كما قضت الحرائق على أشجار الصنوبر والزيتون قبل قطاف الموسم، وأظهرت التقديرات الأولية أن الخسائر الاقتصادية لهذه الكارثة تقدر بملايين الدولارات.
عضو مجلس بلدية بعورتة جابر العياش، أكد لـ«الأخبار» أن مشهد إخلاء الأطفال والنساء من البيوت القريبة من أماكن اندلاع النيران أعاد الى الأذهان ذكرى الحرب الأهلية الأليمة. وأعلن العياش أن النيران أتت على ثلاث سيارات ودراجة رباعية الدفع. كما احترقت جزئياً منازل كل من سمير وفادي وغسان وأسعد وعاطف وهشام العياش، وتراوحت الخسائر بين احتراق في الأثاث وتكسير زجاج واحتراق الجدران.
وطالب العياش الهيئة العليا للإغاثة بإجراء مسح سريع بالأضرار والتعويض على البلدة المنكوبة. ولفت العياش الى أن المجلس البلدي لا يزال يسعى الى الحصول على التعويضات من طمر النفايات، في ما يعرف بمطمر الناعمة عين درافيل، والتي أقرها مجلس الوزراء، فيما زادت الحرائق من الضرر والتلوث البيئي اللاحق بالبلدة. بدوره أعلن الوزير السابق وئام وهاب نيته إطلاق خطة لتشجير مليون غرسة في مختلف القرى التي تعرضت للحرائق.

قضت الحرائق على أشجار الصنوبر والزيتون قبل قطاف الموسم
وتعيد الحرائق الكثيفة التي اندلعت في الأيام الثلاثة الأخيرة، طرح السؤال عن مدى جهوزية لبنان لمواجهة حرائق الغابات، رغم أنه باتت لدينا استراتيجية تقع في 55 صفحة بعنوان «الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان». وتنقسم الاستراتيجية إلى محاور خمسة هي: الأبحاث والمعلومات، تقليص الخطر عبر الوقاية، زيادة الجهوزية، زيادة فعالية الاستجابة لدى حدوث الحرائق، وإعادة التأهيل. لكنّ هذه الدراسة التي توصي بآليات تنسيقية بين مختلف الوزارات المعنية، والتي أقرها مجلس الوزراء منذ عامين، لم تدخل حيز التنفيذ بعد، وهي تحتاج إلى خطط طويلة الأمد، عدا تحدّي تأمين الموارد المادية والفنية الضرورية لتنفيذها، واحتضان المجتمع المحلي لها، ما يضمن استدامة نتائجها على المدى البعيد.
وبحسب مدير جمعية الثروة الحرجية والتنمية، سوسن بوفخر الدين، فإن هذه الاستراتيجية باتت في عهدة وحدة الوقاية من مخاطر الكوارث التي أنشئت في رئاسة مجلس الوزراء، بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ورفعت هذه الوحدة الى مجلس الوزراء خطة عمل بشأن آلية تنفيذ الاستراتيجية، وهي تنتظر إقرارها من أجل البدء بالتنفيذ.
تجدر الإشارة الى أن قيادة الجيش ـــــ مديرية التوجيه أعلنت إخماد حرائق شبّت يوم أول من أمس في خراج 29 بلدة، شملت مختلف محافظات لبنان، وقدرت المساحة المتضررة بنحو 3.3 دونمات من الأشجار المثمرة والحرجية والأعشاب اليابسة.