70 في الأوزاعي، 16 في مخيم البرج، 14 في حي السلم، العشرات في عكار، وأعداد المصابين بالجرب والقمل، بحسب الشائعة تتزايد يومياً. الشائعة انتشرت في لبنان وبدأت تطرق مسامع جميع المناطق، وحسب ما يتداوله الناس، فإنّ المناطق الأكثر إصابةً بالمرضين هي المناطق الفقيرة، مثل حيّ السلم، الأوزاعي، ومخيم برج البراجنة. أما سبب انتشارهما، فانقطاع المياه والكهرباء وانتشار القمامة
قاسم س. قاسم ـــ روبير عبد الله
«كان ناقصنا بعد ما أكلناها بفيروس العيون ننصاب بالجرب». «في 16 حالة جرب بالمخيم». «الأوزاعي صار مبيّن فيها 70 حالة جرب». «عم يقولوا في 14 واحد جربانين بحي السلم». «سمعنا بالأخبار إنو في موجة جاي من تركيا، ووصلت على عكار». هكذا، تناقل أبناء الضاحية الجنوبية لبيروت شائعة مفادها أنه بعد الانتشار الواسع لفيروس العيون، هناك عدوى مرضين آخرين ضربت لبنان هما «الجرب والقمل»، اللذان أصابا المناطق المكتظة والفقيرة مثل حي السلم، الأوزاعي، ومخيم برج البراجنة، وأنّ الأمر حصل بسبب تدهور شروط النظافة في غياب الماء والكهرباء غير المسبوق، إضافةً إلى تراكم النفايات في أماكن كثيرة. لكن هل رأى أيّ من هؤلاء أيّ «جربان أو مقمل» بعينه؟
«لأ، بس سمعنا عنها بالأخبار»، يجيب فادي حرب ابن منطقة برج البراجنة. يضيف «سمعت بالمخيم جوا في كتير حالات جرب». يقاطعه صديقه سالم خليل كمن يؤكّد صدقية هذه الشائعة بأنّ «أكتر الحالات ظهرت في منطقة حي السلم، وعكار». يحاول الرجل أن يبرّر سبب انتشار هذا المرض في تلك المناطق «المنطقة هناك مكتظة بالسكان، وانقطاع الماء أسهم في انتشار هذا المرض، لأن الناس لا يستحمّون كما يجب» يقول. للوهلة الأولى تبدو الشائعة واقعية، وكثرة تداولها بين الناس «بتدوخ الراس». تعيد طرح السؤال مجدداً «شو أكدلكم في موجة جرب وقمل؟ بتعرفوا حدا انصاب»؟ تأتي أجوبة معظمهم «لأ، بس قالوا انهم حطوها بالأخبار». إذاً المشكلة بـ«قالوا»، ولقطع الشك باليقين تقصد المناطق المصابة التي تحدثت عنها الوسائل الإعلامية بحسب متناقلي الشائعة.
في مخيم برج البراجنة، وعند سؤال من تلتقيهم إذا كانوا قد سمعوا عن حالات جرب منتشرة بكثرة بينهم، يجيب معظمهم بالنفي. «بالحالات الطبيعية في جرب بالمخيم بس مش زيّ ما عمّال بيقولوا» يجيب خضر حسين، مضيفاً «سمعنا أكتر اشي أهالي حيّ السلم آكلينها»، مشيراً إلى أنّ بعض الصدقية قد تكون للشائعة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ما يؤثّر في وصول الماء وتقنينه في حال وجوده، وخصوصاً أنّ بعض المنازل لا ترى نور الشمس.
تقصد د. عبد العزيز علي طبيب الجلد في المخيم. فمن سيصاب بالجرب أو بالقمل سيأتي حتماً إلى هنا. في عيادته يقول علي إنه «حتى الآن لم يتجاوز عدد المصابين الحد الطبيعي، إذ إنني أستقبل في الشهر حالتين أو ثلاث حالات من المصابين بداء الجرب، أما الحالات المصابة بالقمل، فإنها تنتشر بين الأطفال أكثر عندما تبدأ المدرسة، وحتى الآن لم يتخطّ عدد هؤلاء الحد الطبيعي». تترك المخيم وتتجه إلى الصيدليات المحيطة. في إحدى صيدليات البرج يقول الصيدلي المناوب إنه سمع «بهذه الخبرية لكنني لم أستقبل حتى الآن أعداداً تفوق الحد الطبيعي». تسأله «هل اشتريت أعداداً فائضة من أدوية الجرب والقمل للاحتياط»؟ «كلا، في هذه الأيام ازدادت الطلبات على النظارات الشمسية وقطرة العيون». تترك البرج وتتجه نحو إحدى صيدليات حي السلم. هناك يقول الصيدلي إنه «لم يرَ أيّ حالة مصابة بالجرب، سمعت بالشائعة لذلك اتصلت بشركة الأدوية التي أتعامل معها كي تؤمّن لي أدوية الجرب والقمل إذا وصلتني أعداد مصابين فوق الحد الطبيعي». هل أدّت الشائعة المرجو منها إذاً بإقبال الصيدليات على شراء أدوية الجرب؟ أم هناك تعتيم على حالات في مناطق أخرى قد تكون عكار أو الأوزاعي؟ تتجه إلى الأوزاعي لتسأل. يعاد تكرار الحديث نفسه. قالوا على الأخبار، سمعنا من الناس، لكن هل رأيتم أيّ مصاب؟ «لا والله»، يجيب محمد عساف ابن الأوزاعي. يضيف «أكتر المصابين بمخيم البرج شوف هونيك». تقول له إنك آت من هناك. فيقلب شفتيه علامة عدم الفهم.
تبقى عكار. هناك أيضاً ضربت الشائعة على شاكلة «يقولون وسمعنا». غير أن معطيات الصيدليات تشير إلى ما يستحق المتابعة الدقيقة. فقد استقبلت صيدلية البيادر أربع حالات، اثنتان منها لأشخاص من الكنيسة، واثنتان من ببنين. أمّا صيدلية العبدة، فقد أفادت عن استقبال حالة واحدة من إحدى قرى سهل عكار.
باقي الصيدليات تحدثت عن انتشار الشائعة، حتى إن صاحبة صيدلية شانتال في حلبا أخبرت أنّ صديقتها التي تملك صيدلية المحبة طلبت منها تزويدها كمية من الدواء الخاص بعلاج الجرب. لكن هذه الأخيرة نفت!.
ولدى سؤال الدكتور كفاح الكسار رئيس بلدية ببنين، نفى الشائعة بالمطلق. مكتفياً بالإشارة إلى احتمال حدوث حالات فردية بسبب شدة الحر والرطوبة. وهذا ما أكده الطبيب في الأمراض الجلدية محمد كيال، الذي جاءته حالات كثيرة تظن أنها مصابة، لكن تبين بعد فحصها أنها خالية من المرض.
صاحب صيدلية البيادر يقول إنّ كل ما يعرفه أنّ امرأة من الكنيسة في سهل عكار جاءت لتأخذ دواءً لأبنائها الأربعة. ليتأكد وجود طلب على الدواء من جانب خمسة أشخاص من سهل عكار. إذا ما أضفنا الحالة التي تحدثت عنها صيدلية العبدة.
وهذا ما يتقاطع من تشخيص د. كسار، الذي ينفي الشائعة، لكنه يشير إلى ما يشبه «البيئة الحاضنة» صحياً و..نفسياً. وعليه توجّهت الأخبار إلى الكنيسة، وهي بلدة تقع على مقربة من الحدود السورية، حيث قال إمام المسجد مروان الرجب إنه لم يسمع بأية حالات جرب في قريته. لا تعترف الكنيسة إذاً بإية إصابات، ولا تعترف بذلك أية منطقة أخرى، ربما لأنّ الخبر مضخّم رغم أن أصله صحيح، فالجرب، ليس مرضاً «مشرّفاً»، وخاصةً في القرى التي ترى أن الاعتراف به نوع من إدانة لمستوى نظافة الشخص، هكذا، يرمي أبناء المناطق التي أصابتها الشائعة التهمة على مناطق أخرى. فيما يقبل الناس سراً على شراء الأدوية، الذي قد يكون الهدف الفعلي من هذه الشائعة «الجربانة».


ما هو الجرب؟

يبتسم معظم الصيادلة بمجرد الحديث عن الجرب، وتخوف الناس من انتقاله بسرعة عبر الهواء كفيروس العيون. إذ لا ينتقل الجرب بمجرد لمس الشخص الأخر أو مصافحته، لأنه يأتي من حشرة صغيرة تشبه العث، لذا يجب أن يكون هناك احتكاك جلدي دائم بالشخص المصاب، إمّا عبر الملابس أو النوم على نفس الفراش، وحتى إذا انتقل قمل الجرب إلى شخص آخر، فهو يمكن إزالته قبل أن يبيض بمجرد الاستحمام.