«دخلك ما طلع الجوز الأخضر بعد؟»، عبارة تتردد في مطلع شهر آب وحتى أواخر أيلول من كل عام. هذا العام، لم يكن الموسم جيداً للجميع، بل كان، بسبب الاحتباس الحراري، مفرحاً للبعض ومؤسفاً لآخرين لجهة الكميّة والأسعار
نادين كنعان
شمس آب اللهاب تبدو قريبةً جدّاً في سماء إقليم التّفاح، وقرى الاصطياف التي كانت ملاذاً، في السابق، من رطوبة المدينة، لم تعد على حالها. هذا التبدل في الطبيعة أثّر على العديد من المواسم الزراعيّة في المنطقة، بما فيها الجوز. الثمرة التي تعدّ من أغلى أنواع المكسرات، والتي تدخل في العديد من أصناف المؤونة الشتوية اللبنانية والتي خيّبت آمال زارعيها ومشتريها إلى حدّ بعيد.
«تندب وفاء حظها ليلاً نهاراً»، كما يروي شقيقها، لأنها لم تعتقد يوماً أن التغيّر المناخي سيؤثر على أشجارها إلى هذا الحد. «كان يقطع شوب قبل بس ما تصوّرت إنو الوضع سيّئ هلقد»، تقول. الأرملة التي تعيل أولاداً ثلاثة، تبيع الجوز منذ عشر سنوات تقريباً، ولطالما غطت عائدات الموسم جزءاً كبيراً من نفقاتها. لكن السّنة تعدّ كارثيّة بالنسبة إليها وهي التي كانت تبيع بمعدل 1500 جوزة للزبون الواحد، بينما محصول أرضها لم يغط حتى حاجتها المنزليّة هذا العام، ما اضطرها لشراء 2500 جوزة من البقاع. «الجوز الأخضر أبو قلب أبيض قسي علينا»، تقول، مستعينة بالمثل الشعبي «السكافي حافي وباب النّجار مخلّع». في المقابل، لا تعني الأحاديث عن موسم الجوز «المضروب» هذه السنة شيئاً لأم حسن، من بلدة جباع. «الحمد لله، لحقنا الموسم على القد»، تقول، متابعة وهي تملأ أكياس «الجنفيص» بالحبّات الخضراء، «شهدنا هذا العام حرّاً غير مسبوق». فقد تضرّرت اللوبياء والفاصولياء وغيرها من البقوليات التي تزرعها المرأة السبعينية بوضوح جراء ارتفاع الحرارة والهواء الناشف ونقص المياه، لكنه كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تجعل الأمر يؤثر على الجوز. «جوزاتي حبيباتي بدي أعمل كل شي لأنقذهن». عملت أم حسن على رش الجوز منذ أوائل شهر حزيران وريّ الأشجار باستمرار لتنمو ثمارها طبيعياً، وها هي الآن تبيعها خضراء وتتحضّر لتجفيف جزء كبير منها لأن «اليابس كمان إلو زباينه»، كما أن حجم الطلب لا يزال على حاله تقريباً. وفي ما يتعلق بالأسعار فهي لم ترفعها كثيراً عن السنة الماضية، إذ تبيع كل مئة حبّة بـ12,000 ليرة لبنانية فيما كانت تبيعها السنة الماضية بـ10,000 ليرة. وتبرّر الحاجّة قائلة: «الجوز عندي غير شكل، اللي بده أرخص يروح عند غيري»، إلا أنها واثقة من أن زبائنها لن يتأخروا عن دفع أي مبلغ تطلبه لأنهم يثقون بأن «شغلها نظيف»، وهم بحاجة إليه لإعداد مونة لذيذة.
شرقاً، يقع منزل الحاج صلاح، الذي لطالما عُرفَ في البلدة كمصدر أساسيّ لكل من يرغب في الحصول على الجوز «الغير شكل». يتحسّر العجوز الأحدب على أيّام كانت فيها حبّة الجوز «قد التّفاحة»، حينها «كان الخير كثيراً والقلوب طيّبة والبال مرتاحاً... والحال غير الحال». موسم الجوز عنده ليس سيّئاً، على الرغم من أنّه كان يتمنى لو كان أفضل. وضع «الرزق» كما يسميه جعله يعتذر من زبائن كثر لأن «الجوز اللي تحوّش ما زاد منه كثير». يجلس الحاج على كرسي في مدخل منزله ويكمل كلامه، مؤكداً أن معظم حبّات الجوز لم تكبر كما يجب، بسبب سوء الرّي والحرّ الخانق، لكن طعمها «بقي مثل السّكر كتّر خير الله». المشكلة هي أن النّاس يحبون «الجوزة الكبيرة» لأنهم يعتقدون أنها أزكى، ما دفعه إلى بيع الحبة الكبيرة بـ12,000 ليرة والصغيرة بـ10,000 ليرة. يتنهّد الرجل وهو يشير إلى حبات الجوز الملقاة على الأرض، موضحاً أنه إذا استمرت الأزمة المناخيّة، فسيضاعف الاهتمام بالأرض، عن طريق حفر الآبار لزيادة كميات المياه، بالإضافة إلى الرّش عند اللزوم، لأن «الأرض إذا ما عطيتها ولا ممكن تعطيك».
في ظل هذا الوضع، وجد بعض سكان العاصمة المعتادين على شراء الجوز من الجنوب سنوياً أنفسهم أمام مشكلة فعليّة. لميس، مثلاً، التي تقصد إقليم التفاح سنوياً لتشتري الجوز، صدمت هذا العام إذ لم تجد ولو حبة جوز واحدة. والبعض، مثل علي ومحسن، اشتكيا من فارق الأسعار عن السنوات السابقة، إذ باتا مضطرين إما لشراء كميّات أقل، أو لدفع مبالغ إضافيّة، وهي خسارة في كلتا الحالتين. أما البعض الآخر، فسيعمد إلى شراء كميات قليلة من الجوز الأخضر، ويجففها بنفسه ليحصل على قدر بسيط يعينه في تحضير الكبّة على أنواعها والمكدوس والحلويات العربيّة. أما أم عصام، بائعة المكدوس في منطقة حي السّلم، وزبونة الحاج صلاح، فمن الواضح أنها ستلجأ إلى السوق لشراء كميات هائلة من الجوز الإيراني اليابس، رغم أن سعره يفوق قدراتها الشرائية عادة، إلا أنه من أجود الأنواع، ويبلغ سعر الكيلو منه 25,000 ليرة.