يكاد مكدوس الباذنجان يكون أحد أهم الأصناف على قائمة المونة الشتويّة، وأكثرها شهرةً. وهو كثيراً ما يقدم على مائدة المقبلات أو طبقاً أساسياً في أيّام الشتاء القارسة، وأحياناً يفرضه البعض مرافقاً لكل أشكال المأكولات في مختلف الوجبات، بما فيها السحور والإفطار في شهر رمضان. وترجع سعة انتشاره لما يحتويه من فوائد غذائية، وما يمنحه من طاقة لمقاومة البرد. ينتشر المكدوس في مختلف أرجاء لبنان، وخاصّة في الجنوب والبقاع، وتستخدم في صنعه حبات الباذنجان السوداء الصغيرة، الخالية من البذور، وقرون الفلفل الأحمر الحار الطويلة، إضافةً إلى الثوم وزيت الزيتون والجوز اليابس. أما أصحاب الدخل المحدود، فيفضلون الاستغناء عن الجوز، لأنه المكوّن الأغلى في هذه الوصفة. ومن المعروف أن النسوة في القرى عادةً ما يبدأن بإعداده مع بداية فصل الخريف، تزامناً مع موسمي الباذنجان والجوز.
تبدأ عملية صنع المكدوس بنزع الجزء العلوي من حبات الباذنجان برفق، بواسطة اليد. ومن ثم توضع في قدر من الماء المغلي لدقائق معدودة حتّى تلين قليلاً. بعدها يستخدم السكين لشقها في الوسط، من دون الوصول إلى الأطراف لكي تبقى متماسكة، وتفرك بالقليل من الملح من الداخل. تترك الحبات جانباً لبعض الوقت، داخل مصفاة كبيرة، حتى يصفّى الماء منها تماماً. بعد التأكد من أن العملية قد تمت بنجاح، يفرّغ الباذنجان من الوعاء ويوضع في «صدر» كبير، أي صينية، لمباشرة حشوه.
لتحضير حشوة المكدوس، يجب تنظيف حبات الجوز جيداً وطحنها طحناً خشناً، ووضعها في وعاء فارغ، بعد ذلك يضاف إليها الثوم المهروس والفلفل الأحمر المقطع قطعاً صغيرة وكمية كافية من الملح، وتعجن المقادير جيداً باليد أو بواسطة الملعقة.
يبدأ حشو الباذنجان بوضع مقدار ملعقة ونصف، تقريباً، من الحشوة داخل الشق، ومن ثم إقفال الحبات جيداً عن طريق ضم طرفي الشق بعضهما إلى بعض بإحكام. توضع الحبات المحشوّة داخل مرطبان فارع وترصّ جيّداً إلى جانب بعضها بعضاً. عندما يمتلئ كليّاً، يوضع في فتحته عودان خشبيان أو مصفاة، ويقلب في صينية، حيث يترك لمدة يومين على أقرب تقدير لتنزل منه كل السوائل الموجوة في الحشوة. يجري التخلص من كميات السوائل التي تستخرج دورياً، وعندما يُتأكّد من زوالها تماماً يُقلب المرطبان ويُباشَر بإضافة زيت الزيتون رويداً رويداً كي لا تطوف الكميات التي أضيفت، بحيث يغطي الزيت كل المساحات الفارغة بين حبات الباذنجان. يُقفل المرطبان جيداً ويلف بورق الألومينيوم وبالغطاء الخاص به، المصنوع من القماش الخام، ويترك في مكان نظيف ودافئ لمدة تتراوح بين 15 و30 يوماً، يصبح من بعدها جاهزاً للأكل.
نادين...