عمر نشّابة«تُجرَّد مدينة القدس من السلاح ويُعلَن حيادها ويحافَظ عليه ولا يُسمح بقيام أية تشكيلات أو تدريب أو نشاط عسكري ضمن حدودها». ورد ذلك في نصّ قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 181، الذي صدر في 29 تشرين الثاني 1947. لكن المجتمع الدولي حوّل القدس إلى «كيان منفصل (corpus sepratum) خاضع لنظام دولي خاص، تتولّى الأمم المتحدة إدارته». (القسم الثالث من القرار). إلّا أنّه ما لبثت أن مرّت أشهر قليلة على ذلك حتى احتلّت تنظيمات صهيونية الجزء الغربي من القدس (1948) وظلّ الجزء الشرقي منها تحت الحكم الأردني حتى عام 1967.
بدأت الحرب صباح 5 حزيران 1967، وتمكّنت إسرائيل من تدمير سلاحي الجو المصري والأردني خلال ساعات، ثمّ توجّه الصهاينة نحو الجزء الشرقيّ من القدس، بعد عزلها عن جبال الخليل ورام الله شمالاً، وعن بيت لحم جنوباً. واستهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية الوحدات العسكرية الأردنية في وادي الأردن، لمنع إمداد المقاومين في القدس. وازدحم الطريق من أريحا إلى القدس بدبابات دمّرت أثناء محاولتها الوصول إلى القدس. تراجع الأردنيون. وفجر يوم 6 حزيران 1967 قُصفت أحياء القدس الداخلية، ودُمّرت المواقع العربيّة فيها. وبعدها اقتحمت القوات الإسرائيلية المدينة. فتبيّن لقائد اللواء 27 في الجيش الأردني العميد عطا علي أنّّ من غير الممكن مواصلة القتال.
لم يجد الإسرائيليون مقاومة تذكر، فوصلوا إلى حائط البراق الساعة العاشرة من صباح 7 حزيران، ودخلوا ساحات المسجد الأقصى، واحتفلوا بنصرهم التاريخي.
أما في بيروت، التي حاول الإسرائيليون تركيعها عام 1982، فقد يجد العماد جان قهوجي وضبّاطه اليوم آلاف المقاتلين إلى جانبهم وخلفهم وأمامهم في مواجهة القوة نفسها التي هزمت الأردنيّين والمصريّين والفلسطينيّين والسوريين معاً عام 1967. في بيروت سيشهر عشرات الآلاف أسلحتهم ليدافعوا عن مدينتهم وعن شعبهم وكرامتهم. هم طلّاب مدرسة «لا باسيوناريا». المناضلة الإسبانية ايسيدورا دولوريس ايباروري غوميس، التي وقفت في وجه الفاشيّين لتقول منذ 74 عاماً: اليوم (في 3 أيلول 1936) «نموت واقفين أفضل من أن نعيش راكعين».
إنّ الخطوة التي يُفترض أن يبادر إليها الحريصون على بيروت بعد وقوع حوادث مسلّحة فردية أليمة، مثل حادثة برج أبي حيدر، ليس رفع شعار «بيروت منزوعة السلاح»، بل تنظيمه وضبط التجاوزات.
«بيروت منزوعة السلاح» لا تشبه بيروت إلا إذا أردناها مدينة في «الشرق الأوسط الجديد».