حصّة لبنان من المخفيين في يومهم العالمي: 17415 مخفياً. أمس، حضر بعض أهاليهم إلى ساحة «الأسكوا». جدّدوا الأمل بعودة أحبّتهم، وأكدوا أنهم مستمرون في قضيتهم حتى تنجلي الحقيقة
محمد محسن
كان عمرها سنتين، يوم ربط جيرانها والدها على كرسي وأطلقوا النار عليه من أخمص قدميه إلى رأسه. أليسا لكشيتش فقدت 23 فرداً من عائلتها في مذبحة «أهميتشي» في صربيا، التي أمر الكرواتي بوشكا ليوبشيتش قواته بإبادة كل شيء متحرك فيها. حتى الآن، لم تزر أليسا قبر والدها المحاط بالأعشاب. قصة، من قصص كثيرة، موجودة على لوحات منشورة في حديقة الإسكوا، ضمن النشاطات التي تنظمها جمعية «العمل من أجل المخفيين» أمس، واليوم، بالتعاون مع جمعيات ناشطة في هذا المجال، لمناسبة اليوم العالمي للمختفين.
في صورة مربعة، مليئة بالسواد، تتحدّث سودية إسماعيل عن ابنها الصغير في كوسوفو. لم تشفع كلمته أمام الجنود «ماما، أخبريهم أني صغير جداً». توجه الجنود ليعدموا الطفل، بعدما وضعوه في شاحنة عسكرية. لكن ابن سودية نجا من الإعدام، لأن والده توسّل إلى الجنود قتله بدلاً من طفله. حتى الآن، لا تعرف سودية أين دفن الجنود زوجها، لكنها تراه، كلّما تأكدت يومياً أن ابنها ما زال على قيد الحياة.
حال هؤلاء المذكورين شبيهة بأحوال المخفيين اللبنانيين. أمس، «احتفلوا» في يومهم العالمي الذي صادف في 30 آب من كل عام. قصص الموت والإخفاء القسري يشبه بعضها بعضاً. الخيط رفيع بين التعليق والصمت. الأمران صعبان جداً. هكذا، توحّدت معاناة أهالي كل المختفين قسراً. في لبنان، الجزائر، صربيا، كوسوفو، فلسطين. كلّها بلاد نال أهلها نصيبهم من لُعَب الموت.
كان واضحاً أن المنظمين فضلوا الاحتفاء على نحو مختلف عن السابق. لم تقتصر عناصر النشاطات على الاعتصامات أو الكلمات فقط، بل تجاوزت ذلك إلى عروض فنية: رسم غرافيتي على «جدار عزل» الإسكوا، حفلات موسيقية، قراءة أسماء 17514 مفقوداً لبنانياً طوال الليل. أما اليوم، فستعرض أفلام وثائقية ومعارض لصور مرسومة باللون والزجاج والخشب. أما الهدف، كما يشير الناطق باسم الجمعية المنظّمة، سيدريك شقير فهو «تذكير الشباب بقضية المختفين قسراً. هي قضية وطنية، ورسالتنا موجهة إلى كل الشباب الذين يظنون أن القضية باتت من الماضي». الواضح أيضاً، أنه لا حضور للدولة وأجهزتها في النشاط. الأمر ليس مستغرباً، فالدولة أهملته منذ ولادته. عند الخامسة من عصر أمس، اجتمع منظّمو النشاطات. الحضور لم يكن كثيفاً. من غيرهم؟ هم أهالي المفقودين، النائب غسان مخيبر، نشطاء الجمعيات المشاركة، وإعلاميون. وحده النائب مصباح الأحدب كان جديداً على الحضور هذه المرة. يبتسم للأهالي ويدعو لهم بانتهاء قضيتهم على خير. تجمّع الحضور لاستماع كلمات الافتتاح. يؤكد رئيس جمعية «سوليد» غازي عاد أن «من يظن أن ملف المفقودين قد أغلق، فهو مخطئ. وحدها الحقيقة تقفل الملف». أما ممثلة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، وداد حلواني، فقد روت قصة إحدى أمهات المخطوفين: أم عزيز، فقدت 4 من أولادها. لا تزال تنتظرهم خلف ستارة لا شفافة ولا سميكة. رغم كبر سنّها، ما زالت متفائلة. سترى أبناءها من خلف الستارة، حين يعودون إليها. هكذا، أعلنت حلواني «أنه باسم أم عزيز وكل أهالي المخطوفين، تضاعف الأمل لديهم بسبب هذه المبادرة الشبابية». كذلك، تلت إحدى الناشطات رسالتي دعم وصلتا إلى الحضور، أرسلتها كل من «المنظمة الآسيويّة لمناهضة الإخفاء القسري» و«المنظمة الأورو ـــــ متوسطية لمناهضة الإخفاء القسري».
بعد ذلك، توزّع الحضور على جوانب الحديقة. البعض يقرأ كتيبات الصليب الأحمر الدولي عن ملف المخطوفين، فيما يراقب البعض الآخر عن بعد. 4 شبان يكتبون باللون الأبيض على جدار الإسكوا عبارة: «لا حي ولا ميت». ترتسم العبارة مشيرة إلى حال المفقودين، فوق خلفية من 3 ألوان: أحمر وأسود وأصفر. وفي الجانب الآخر، 20 لوحة توزّعت دائرياً، تروي قصصاً كثيرة عن المفقودين في العالم، وتعرض بعضها عمليات استخراج الرفات، وكيف يتعرّف إليها المعنيون. أما أهالي المفقودين اللبنانيين والعرب، فتوزّعوا بين من يدلي بتصريح للفضائيات التي تجاوز حضورها عدد المحطات اللبنانية، وبين من علّق على الحدث. تتمنى مريم السعيدي لو تخصص في الباحة الخضراء «أضرحة. إن لم يكن للمفقودين، فلأمهاتهم». أمّا محمود إبراهيم خالد، فأكّد أنّ «النشاط يرفع روحنا المعنوية، ويبلغ الرؤساء العرب المعنيين بملفات المفقودين، أنهم فاشلون».