نقولا أبو رجيلي«ينصح بوجود الأهل»، عبارة تظهر على الشاشة الصغيرة، قبل البدء بعرض بعض البرامج والمسلسلات والأفلام التي قد تحتوي على مادة غير مناسبة للأطفال والمراهقين. قد يكون آن الأوان للتفكير في ضرورة بثّ هذه النصيحة لمتابعي الجزء الخامس من أحداث المسلسل السوري، «مالئ الدنيا وشاغل الناس» حالياً، «باب الحارة». فالمسلسل الذي أصبح نجم الدراما الرمضانية خلال السنوات الأخيرة، والذي يُعرَض حالياً على أكثر من محطة تلفزيونيّة أرضيّة وفضائيّة وفي أوقات مختلفة، من بعد الظهر حتى المساء، يحوز تعلّق المشاهدين، كباراً وصغاراً به، لا إعجابهم فقط. وفيما يدرك الكبار الفرق بين الواقع والدراما، يختلط الأمر على الصغار، الذين تجذبهم شخصيات المسلسل الشريرة مثل «أبو ساطور»، «أبو طاحون»، «أبو شاكوش»، «أبو دراع»، وخصوصاً أن الممثلين يؤدونها بمهارة فائقة وبمهنية عالية، ما يجعلها أكثر إقناعاً. فالأطفال والمراهقون مولعون بتلك الشخصيات ويلحّون بالاستفسار عن معاني ألقابها وعن مصائرها.
هكذا، يغضب وليد، (9 أعوام)، مهدّداً بنزع السلك الكهربائي عن جهاز التلفاز، ما لم يستجب ذووه لطلبه شرح معنى كلمة «أبو ساطور» المتهم مع «أبو دراع» بقتل «العكيد أبو شهاب»، أو إذا لم يُعط إجابة فورية عن أسئلته الكثيرة: لماذا قُتلَ «أبو طاحون» ومن هو الفاعل؟ هل سيتمكن «معتز» من تحرير والده أبو عصام من السجن؟ عبثاً تحاول الأم إقناع ابنها بالتريّث إلى حين عرض فاصل إعلاني، حتى تشرح له، فهي تحرص على ألّا يفوتها أي مشهد من المسلسل، وبالأخص ما سيطرأ من تطورات على العلاقة الزوجيّة المتوترة بين عصام وزوجاته الثلاث. يتفاقم «المشكل» فيضع وليد إصبعيه في أذنيه ويصرخ بأعلى صوته، ما يستدعي تدخّل الوالد الذي يدعو زوجته إلى اصطحاب ابنهما إلى الخارج، لأنه، هو أيضاً، يهتم بمتابعة آخر تطورات المعارك التي تدور بين «ثوار الغوطة» والمحتل الفرنسي. وهذا ما حصل بالفعل، فحرمت الأم متابعة أحداث المسلسل. ما جرى في هذه العائلة ليس استثنائياً، بل إنه مشهد يتكرّر يومياً في منازل مئات الأسر العربية.
أما خارج المنازل، في الأزقّة وساحات الأحياء، فالسباق محموم على تجسيد شخصيات المسلسل الشريرة التي تحظى بشعبية هائلة في أوساط المراهقين.
فالصبية الذين كانوا يتسابقون لتقليد بطولات «أبو شهاب»، ويتهافتون على حمل «خيزرانة معتز»، باتوا يفضّلون حالياً أداء أدوار الشرّ، وتجسيد شخصيّة «أبو شاكوش»، بعبارته «خود ... واعطي» التي أصبحت محطّ كلام لهم ولازمة أساسية في أي جملة ينطقون بها. تبقى الإشارة إلى أن آراء بعض الأهالي تفاوتت بين مؤيّد ومعارض لما يشاهده أولادهم من سلوكيات تؤديها شخصيات شريرة. فمن وجهة نظر البعض، يفترض بأجيال اليوم التعرّف إلى التقاليد والعادات القديمة، حتى ولو تخلّل ذلك بعض المشاهد والرسائل التي يجب ألا تُعرّض لهم، فهي من واقع الحياة ولا بد لهم من أن يكتشفوها ذات يوم. أما البعض الآخر، فيرون أن تلك المشاهد ليست عرضية حين يتلقاها أبناؤهم وهم في سن حرجة يتكوّن فيها وعيهم وقيمهم، «ألا يكفينا ما يشاهده أطفالنا من أفلام أجنبيّة غريبة عجيبة تشمئز منها النفوس؟»، يقول أحدهم.