في المتين مرملة تعبق من رخصتها رائحة الفساد. إنها نموذج لتشريع مخالفة القانون والتحايل عليه. الكل وافق على إعطاء الترخيص إلا البلدية التي جرى تجاوزها واستُعيض عنها «بغريمتها» بلدية بتغرين. النزاع الذي بدأ منذ السبعينيات، يستكمل اليوم بأوجه مختلفة. وفيما تستعد المتين للطعن أمام شورى الدولة، يبدو أن المطلوب وقف فوري لجارفات آل المر التي تعيث في المتنين تخريباً وقضماً
بسام القنطار
نامت نواطير المتين عن أراضيها، فاستطاع أحد المستثمرين أن يستحصل على رخصة لإنشاء محفار رمل صناعي، بموافقة مختلف الجهات المختصة، بما فيها وزارة البيئة والمجلس الوطني للمقالع والكسارات.
البلدة التي كانت توظف في الستينيات أكثر من 14 ناطوراً لحراسة أحراجها الممتدة على نطاق واسع، لا تزال تعاني إلى اليوم تداعيات قضم مساحات واسعة من نطاقها العقاري وضمه إلى بلدية بتغرين. لكن مشاكل البلدة لم تتوقف عند النزاع العقاري الذي بدأ منذ عام 1978، ولا تزال ملفاته عالقة لدى مجلس شورى الدولة، بل وصل إلى حد تجاوز مجلسها البلدي في الموافقة على إنشاء مرملة تعمل منذ أسبوع بكثافة في محلة «مرج البقرة» الواقعة إدارياً ضمن النطاق العقاري للبلدة.
القصة بدأت في 28 آب الماضي، حين نجح روي سماحة بالحصول على توقيع محافظ جبل لبنان بالتكليف القاضي أنطوان سليمان، بترخيص استثمار مؤسسة من الفئة الثانية تشتمل على محفار رمل صناعي في العقار 4093 من منطقة المتين. وبحسب الإفادة العقارية، تبين أن العقار يملكه كل من جهاد وميشال وكارول وكارل المر، أولاد رجل الأعمال المعروف غبريال المر.
قرار المحافظ سليمان الذي حمل الرقم 61/2010، رخّص لمدة خمس سنوات تجدد سنةً سنة، بعد موافقة المجلس الوطني للمقالع والكسارات، باستثمار المحفار.
استخرج سماحة في أسبوع كمية تتجاوز ما هو مسموح له باستخراجه في سنة
وينص المرسوم 8803 المتعلق بتنظيم المقالع والكسارات وفي الفصل الثاني منه المتعلق بأصول الترخيص، على وجوب أن يقدم طلب الترخيص إلى المحافظ مرفقاً بجملة من المستندات، ومنها إفادة ارتفاق وتخطيط، وذلك لتبيان مدى انطباق الترخيص مع المخطط التوجيهي العام للمنطقة واحترامه التصنيفات والشروط القانونية المعمول بها. كذلك نصت المادة 8 من المرسوم نفسه على وجوب إحالة طلب الترخيص إلى البلدية المختصة لإبداء الرأي، لكون رأيها ملزماً ولا يمكن اعطاء الترخيص من دون موافقتها.
ورغم أن قرار المحافظ سليمان قد أشار إلى أن العقار المذكور يقع ضمن النطاق العقاري لبلدة المتين، علمت «الأخبار» أن الأوراق التي قدمها سماحة للحصول على الترخيص ضمت كتاب موافقة موقعاً من بلدية بتغرين، وأن بلدية المتين لم يؤخذ برأيها في الترخيص، بل إن مجلسها البلدي علم بموضوع المحفار بعدما أفاد الشرطي البلدي بأن العمل قد بدأ به.
تجاوز بلدية المتين ليس المخالفة الوحيدة التي ارتكبها كل من وقع على الترخيص، بل إن الملف مثقل بالتجاوزات التي تدعو إلى التشكك في مدى استسهال الإدارات الرسمية بإعطاء الترخيص، رغم«العراضة» الكبيرة التي قام بها الوزير محمد رحال، في أكثر من مناسبة وتأكيده أنه لن يمنح ترخيصاً لصاحب كسارة أو مرملة إلا بعد استيفاء كامل الشروط ودفع الضرائب والرسوم، والتعهد بتأهيل الأرض المستثمرة.
وزارة الطاقة لا تُستثنى من المساءلة في الموافقة على هذا الترخيص، الذي أُرفق بتقرير من الخبير الهيدرولوجي سمير عرمان وموافق عليه من المدير العام للاستثمار بالإنابة محمود بارود. ولقد استند هذا التقرير إلى تقرير هيدرولوجي قدمه صاحب العلاقة، قامت به شركة عرمكو، وموقع من الخبير الهيدرولوجي رمزي عرمان. ويفيد هذا الخبير، الذي هو بالمناسبة ابن الخبير التابع لوزارة الطاقة، بأنه «ليس في موقع المقلع ومحيطه أي مصادر مائية يمكن أن تتأثر باستثمار المحفار». ويتناقض هذا التقرير مع تقرير سابق موقع من الخبير الجيولوجي جهاد المصري، إضافة إلى أنه مخالف للوصف الوارد في الإفادة العقارية للعقار التي أكدت وجود ينابيع فيه. وللمفارقة، فإن بلدية بتغرين التي لا تمتلك صفة في توصيف العقار، أفادت بأن العقار يشتمل على ينابيع تجف في الصيف، ولن تتأثر بأعمال الحفر والاستثمار.
مخالفة أخرى يتضمنها قرار الترخيص، هي أنه يخالف المخطط التوجيهي والنظام التفصيلي العام لمنطقة المتين ومشيخا العقارية وفقاً لقرار المجلس الأعلى للتنظيم المدني رقم 11 تاريخ 24/3/2010، الذي جاء في حرفيته: «يمنع ضمن جميع المناطق استثمار المقالع والكسارات والمرامل وتخزين البحص والرمل».
إلا أن المخالفة الأكبر هي في مخالفة شروط الترخيص نفسه، وليس فقط في عدم قانونية الأوراق التي استند إليها. فالمحفار مرخص لاستخراج رمل يصلح لصناعة البويا، بكمية لا تتجاوز 4800 متر مكعب في السنة، وعلى مساحة لا تتجاوز 800 متر مربع، لمصلحة مؤسسة علم الدين للدهانات وشركة سودمكو. ويستدل من أعمال الحفر في المكان ومن كمية الشاحانات التي تدخل وتخرج يومياً، أن روي سماحة قد استخرج في غضون أسبوع كمية تتجاوز ما هو مسموح له باستخراجه في سنة، الأمر الذي يستدعي إلغاء الترخيص فوراً لمخالفة الشروط المنصوص عليها.
عضو مجلس بلدية المتين المحامي زياد سلامة، أكد لـ«الأخبار» أن المجلس البلدي يُعدّ شكوى سيتقدم بها إلى مجلس شورى الدولة في غضون اليومين المقبلين، وستُسلّم نسخة عن الشكوى إلى جميع الوزارات المعنية. ولفت سلامة إلى أن أهالي بلدة المتين يعدون لأوسع تحرك شعبي في نهاية الأسبوع، رفضاً لهذا المحفار الذي يمثّل تعدياً واضحاً على البيئة، وخصوصاً الينابيع والمزروعات والبيوت التي لا تبتعد عنها إلا مسافة 500 متر في حد أقصى، فيما الترخيص يشترط أن تبتعد 100 متر عن أقرب منزل في حد أدنى.