ضحى شمسأعادت قناة المنار قبيل رمضان الحالي، عرض جزء سابق من المسلسل الشعبي السوري «باب الحارة»، ربما تعويضاً مسبقاً لمشاهديها عن عدم فوزها بحقوق بث الجزء الأخير منه. لست متأكدة ممّا إذا كان الجزء الذي عرضته المنار هو الرابع، لكن ما أعرفه أن «أحداثه» تثير اضطراب المشاهد للشبه الكبير بأحداث «مسلسل» آخر لا يقلّ عنه «نجاحاً»، نقصد دراما المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وبما أن عرض الحلقات يومي، وتوقيته يأتي مباشرة بعد نشرة الأخبار، فإن ملاحظة التشابه لم يكن ممكناً تفاديها، مع أنه مكتوب قبل رمضان الماضي بأشهر على الأقل. فهل«يستلهم» المسلسل سيناريو المحكمة وأحداثها، بما أن العكس غير ممكن؟
ولمتابعي«المسلسلين»، قد يسهل شرح ما تقدم إذا جربنا «فك شيفرة» الشخصيات والأحداث بالطريقة الآتية: «حارة الضبع» (سوريا) مستهدفة لأنها مع الثوار في الغوطة (المقاومة)، وتمدّهم بالمال والسلاح تهريباً بالطبع تحت أنف«الفرنساوي»، إسرائيليّ «تلك الأيام» وزلمه في الداخل، وأولهم أبو جودت رئيس المخفر الفاسد، التابع للاحتلال (حكومة14 آذار؟) وبالتالي الفاسد مرتين. المهم، أن جريمة حصلت في جزء سابق حيث قتل «الإدعشري» شرير الحارة، حارسها، أبو سمعو. لكن سمعو (سعد الحريري؟)، ابن المغدور، عاد بعد جزءين، ويريد كشف قتلة أبيه. لهذا، تطوّع دركياً في المخفر (العمل السياسي) حيث بدأ أبو جودت يتلاعب به، مستغلاً رغبته في «معرفة الحقيقة»، وبدأ بتوجيهه ضد أهل حارته، مقنعاً إياه بأنهم يتسترون على القاتل، ليتطور الأمر إلى اتهام العقيد أبو شهاب، صلة الوصل مع المقاومة، بقتله!
من هنا، تتوالى الحلقات بتشابه مربك: اتهام أبو حاتم صاحب المقهى و«عين الحارة الساهرة» (النظام الأمني) وحبسه، ثم إطلاقه، شهود الزور، تحولات سمعو الذي سيطر عليه الانتقام لدرجة أنه أخذ يستدعي أولاد حارته إلى المخفر (المحكمة الدولية؟) مع أنهم كانوا أعز أصدقاء والده، حارس الحارة. صحيح أنه كان دركياً تحت سلطة الفرنسيين، الوالد أقصد، إلا أنه كان ابن الحارة الذي يخاف على مصالحها، إلخ. هذا في الجزء الرابع. أما حلقات الجزء الخامس الذي كاد عرضه ينتهي، فأكّد إيحاءات باب الحارة الضمنية.
والحقيقة أن الإيحاء أمر دأب عليه المؤلفون الدراميون السوريون، لا بل الصحافيون أيضاً، في بلاد لم تشتهر بحرية التعبير فيها، وخاصة في ما يتعلق بالسياسة. نتذكر هنا مسلسلات انتقادية ساخرة تشير من بعيد إلى المنتقد، مثل سلسلة «بقعة ضوء»، أو المسلسلات التاريخية ذات الإسقاطات المعاصرة، ما يعزز النظرية أعلاه، أي إنه إيحاء مقصود. فهل هو مقصود؟ وما المقصود بذلك؟ إيجاد وعي شعبي مطابق للمضامين السياسية أعلاه؟ ولماذا هذا التسلل الدرامي إلى وعي الناس إذا كان الناس أصلاً ينامون ويقومون على أخبار تسييس المحكمة الدولية الثابت للجميع؟ هل هو تطوّع من جانب كاتب المسلسل؟ أم أن الأمر مجرد استلهام مؤلف لم يجد ما يقيم به أود شخصياته، فـ«ترجم» نشرة الأخبار إلى أحداث مسلسل كان يجب أن ينتهي منذ زمن؟ أم أن واقعنا السياسي أصبح مبثوثاً في عقولنا وهمومنا ومخيلاتنا لدرجة أننا لا ننجح إلا في استنساخه درامياً؟ من ينسخ من؟ هل أصبح واقعنا تافهاً لدرجة مشابهة مسلسل شعبوي مرصوف بالكليشيهات درجة عاشرة؟ من أين أتى التشابه؟ لو كان ما يحصل في لبنان من أحداث منذ مقتل الحريري مكتوباً كسيناريو مسلسل، ألم نكن لنصنفه تافهاً أو حسب المصطلح الشائع «فيلم عربي»؟ ما الذي يشبه ماذا؟ تتشابه تصريحات سعد الحريري، ابن القتيل الذهبي، لدرجة تثير الاضطراب مع «تصريحات» سمعو في حلقات «باب الحارة»، قبل أن «يهتدي» ويصفّ مع أولاد حارته، رافضاً أن يكون أداة لإذلال أهله، بيد الفرنساوي عبر رئيس المخفر، كما يأمل الجميع في... الحارة.
بالطبع، سعد (الحريري) لا يقلد سمعو. والأكيد أن سمعو لا يقلد كلاماً لم يكن قد قيل بعد يوم تصوير المسلسل منذ سنة. لكن، هل يعود التشابه لأن البنية النفسيّة للاثنين، كوليّين للدم، ترتكز على«كلاسيكيات» طالبي الانتقام،«الفانديتا»؟ أم لأن مؤامرة«الشرق الأوسط الجديد» دخلت الوعي الشعبي لدرجة أنها انتجت مسلسلاً يرى الناس أنه برغم تبسيطه، أو بسبب ذلك، يخاطب مخاوفهم؟ ممّ؟ السيناريو التلفزيوني أم الدولي المحلي بطبعته الأخيرة التي لا تزال حلقاتها تعرض، قبل باب الحارة، في نشرات الأخبار؟ في الحلقات الأخيرة، بدا أن المسلسل«استقلّ» قليلاً، ربما لأن مسارات الأحداث بحاجة إلى نهاية مستعجلة، وعلى الأرجح سعيدة، وخاصة أنه الجزء الأخير. بقيت خمس حلقات، فهل يسبق المسلسل بحلقاته الواقع؟ أم أن النهاية ستفرق بين السيناريوين، حيث لن تتكرر «هابي إند» المسلسل في واقع متجه إلى نهاية مأسوية أصبحت فيه المقاومة «متهمة» بقتل «حارسها» المختلف عنها مذهبياً، فيما أصبح سمعو... رئيساً للحكومة؟